نرى أنه جعل ما هو أصل في الضياء -وهو الصباح- مشبهًا، وما هو فرع فيه -وهو وجه الخليفة- مشبهًا به؛ قصدًا إلى المبالغة في إعلاء شأن المأمون، وتأكيد مدحه بإشراق الوجه، نجد ذلك أيضًا في قول البحتري:
في طلعة البدر شيء من محاسنها ... وللقضيب نصيب من تثنيها
فقد جعل أيضًا ما هو الأصل في وجه الشبه -وهو طلعة البدر والقضيب- مشبهًا، وما هو الفرع فيه -وهو محاسن الفتاة وتثنيها- مشبهًا به؛ بهدف المبالغة في إثبات الوجه لمشبه به وهي الفتاة، ثم ازدادت هذه المبالغة بشيء خارج عن إفادة التشبيه وهو جعل لما في البدر، وما في القضيب شيئًا قليلًا، وندرًا يسيرًا مما يوجد في الفتاة، شيء من محاسنها نصيب من تثنيها.
ومنه قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (البقرة: 275) والأصل أن يقال مثلًا: أن الربا مثل البيع؛ لأن الذي هو محل النزاع هو الربا، لكن هنا جعل الربا مشبهًا به وجعل البيع مشبهًا، فجعل مستحلُّو الربا البيع فرعًا في الإباحة والحل، والربا أصلًا فيهما، وذلك قصدًا إلى المبالغة في إثبات إباحة الربا، واستجابة لأطماع نفوسهم، وشدة حرصهم على جمع المال من أي طريق كان
ونعلم تلك الصورة التشبيهية البشعة التي رسمها القرآن للذين يأكلون الربا، وأن الله سبحانه شبههم بأمثال الذين يقومون كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، نجد هذا أيضًا في قول الله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} (النحل: 17) فقد جعلهم الله لتماديهم في عبادة غير الله، وتسميتهم لهذه المعبودات آلهة، بمنزلة من يعتقد أن من لا يخلق أحق بالعبادة ممن يخلق، ولذلك جعل من لا يخلق أصلًا في استحقاق العبادة فشُبه به، فكان الأصل أن يقال: أفمن لا يخلق كمن