من ذلك تشبيه فحم فيه جمر متقد ببحر من المسك موجه الذهب، وتشبيه محمر الشقيق بأعلام من ياقوت منشورة على رماح من زبرجد، وتشبيه النجوم في أديم السماء بدرر نثرن على بساط أزرق؛ ففي هذه التشبيهات نجد المشبه به من المركبات الخيالية التي يندر خطورها بالذهن؛ ولذا برز المشبه في صورة عجيبة ممتنعة تثير في النفس كوامن الاستحسان، والإعجاب، والاستطراف.
ومن التشبيهات التي جمع فيها الشاعر بين طرفين متباعدين في الجنس، فأثار بهذا الجمع استحسان النفس واستطرافها لمشبه تشبيه الثريا بعنقود العنب المنور، وتشبيه البرق بمصحف القارئ، وتشبيه الفرس بجلمود الصخر، فمجيء المشبه به في هذه التشبيهات من جنس بعيد عن جنس المشبه يجعل حضور المشبه به، وخطوره بالبال نادرًا عند حضور المشبه فيه.
الأمر الذي يحتاج من الأديب إلى إطالة النظر ليجمع بين الطرفين المتباعدين، ومن هنا كان استحسان بيت على بيت، وكان استطراف بيت على بيت.
هناك أيضًا أغراض للتشبيه يعود الغرض فيها على المشبه به، من ذلك التشبيه المقلوب الذي يُجعل فيه ما هو الأصل في وجه الشبه مشبهًا، وما هو الفرع مشبهًا به، فهو يقوم أساسًا على الفرد والتخييل والادعاء، بجعل ما هو فرع في وجه الشبه أصلًا فيه، وما هو أصل فرعًا؛ قصدًا إلى المبالغة في ثبوت وجه الشبه للفرع الذي صار أصلًا، ولذا فإن الغرض العائد على المشبه به في التشبيه المقلوب هو في الواقع عائد على المشبه؛ لأن المشبه به كان في الأصل مشبهًا قبل أن يُقلب التشبيه، وبالمثال يتضح المقال، ففي قول ابن وهيب في مدح الخليفة المأمون:
وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح