هذا الخد كحمرة الورد؛ فالمخاطب يدرك من التشبيه هنا مقدار السواد والحمرة، لا نفس الصفة، ومنه قول الحسن بن وهب:
مداد مثل خافية الغراب ... وأقلام كمرهفة الحداد
فمرهفة الحداد يعني: الدقيق القاطع من السيوف، فسواد المداد معلوم، والتشبيه أفاد درجة، أو مقدار شدته، ورهافة الأقلام معروفة، والتشبيه أفاد عظم دقتها، من ذلك أيضًا قول شاعر:
فأصبحت من ليل الغداة كقابض ... على الماء خانته فروج الأصابع
فقد أفاد التشبيه مقدار حاله في علاقته بفتاته، وأنه بلغ أقصى غاية في الحرمان وخيبة الأمل.
نأتي إلى الغرض الرابع من أغراض التشبيه العائد على المشبه: تأكيد حال المشبه وتقريرها في نفس السامع، وذلك إذا كان كل من الحال ومقدارها معلومين، وأريد بالتشبيه تأكيد اتصاف المشبه بالصفة، كتشبيه من لا يحصل من سعيه مثلًا على طائل بالراقم على الماء، وبالقابض عليه، وتشبيه الحائر الذي يتخبط في أمره بالتائه في صحراء مظلمة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} (الأعراف: 171).
فهنا بيَّن التشبيه في الآية ما لم تجرِ به العادة، وهو رفع جبل الطور فوق رءوس اليهود بما جرت به العادة، وهو الغمامة، أو المظلة، وذلك لتأكيد وتقرير هذا الأمر الحاصل. ففي هذه الأمثلة التي سبق أن ذكرناها نجد أن المقدار والحال معلومين، ولكن المراد هو تأكيد اتصاف المشبه بالصفة.
من هذه الأغراض التي يسوقها المتكلم، ويعود الغرض فيها على المشبه: تزيين المشبه وتجميله، وذلك إذا كان المراد مدح المشبه، والترغيب فيه كقول النابغة مثلًا مادحًا:
فإنك شمس والنجوم كوكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب