من ذلك مثلًا قولنا: علمت محمدًا بحرًا، ورأيته أسدًا، وحسبت الرجل شمسًا، وخلته بدرًا، وظننته كوكبًا؛ فوقع في كل هذه الأمثلة كل من المشبه والمشبه به مفعولين للأفعال المذكورة، وهذه الأفعال قد أنبأت بالتشبيه. أما الأداة فهي مقدرة، والتقدير: علمت محمدًا كالبحر وكالأسد إلى أخر ذلك، من ذلك أيضًا قول البحتري:
وإذا الأسنة خالطتها خلتها ... فيها خيال كوكب في الماء
فهنا شبه الأسنة إذا خلطتها الدروع بخيال الكواكب تبدو في الماء بجامع الصفاء واللمعان، ولا يخفى أن المشبه والمشبه به قد وقعا مفعولين للفعل خال، الذي أرشد إلى التشبيه، وأن أداة التشبيه هي الكاف المقدرة، والتقدير: خلتها فيها كخيال كواكب في الماء.
وننتقل الآن إلى حديث البلاغيين عن الركن الخامس، وهو أغراض التشبيه أي: الأسباب والدواعي التي تحمل الأديب على عقد التشبيه، أو بمعنى آخر الغاية التي يرمي إليها البليغ بتشبيهه، ويقصد إلى تحقيقها، أو الفائدة التي يريد المتكلم أن يوصلها إلى السامع باستخدام الأسلوب التشبيهي.
هذه الأغراض منها ما يعود إلى المشبه، ومنها ما يعود إلى المشبه به.
نبدأ بالحديث عن الأغراض التي تعود على المشبه:
أول هذه الأغراض: ما يسمى ببيان إمكان وجوده، وذلك عندما يكون المشبه من الأمور الغريبة التي يستبعد حصولها، ويدعى استحالتها، كما جاء مثلًا في قول المتنبي:
فإن تفق الآنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال