فهنا شبه ظلام الليل فالفرس الأدهم، وفي هذه الصورة العجيبة النادرة الغريبة غير المبتذلة نرى أن الشاعر يشبه هذا الظلام ظلام الليل بالفرس الأدهم، ويشبه كذلك الصبح بالفرس الأشهب، وقد وقع المشبه به مضافًا إلى المشبه في التشبيهين، ثم استعار نعل الحافر للهلال، ونرى في البيت تخييلًا حسنًا بديعًا؛ حيث صور الشاعر لنا معركة بين الليل والصبح، انتصر فيها الصبح وفر الليل منزعجًا من مطاردة الصبح له، واستعان الليل على سرعة الفرار والهرب بإلقاء نعله؛ ليكون ذلك عونًا له على سرعة الفرار والنجاة، وقد أخذ الشاعر من مخلفات المعركة نعل حافر الفرس، فشبه به الهلال وبنى على التشبيه استعارته الغريبة، مثل ذلك أيضًا قول الشريف الرضي يدعو الله أن يرطب قبور أحبابه:
أرسى النسيم بواديكم ولا برحت ... حوامل المزن في أجداثكم تضع
ولا يزال جنين النبت ترضعه ... على قبوركم العراضة الهمع
فهنا يشبه المزن بالحوامل، ويشبه النبت بالجنين، وقد وقع المشبه به وهو الحوامل، والجنين مضافًا إلى المشبه، وهو المزن والنبت، والمعنى ما زال السحاب الممتلئ الماء الشبيه بالحوامل الممتلئة بطونها بالأجنة، يسقط على قبورك، ولا يزال النبات الأخضر المورق الشبيه بالأجنة الصغيرة يرويه على قبوركم السحاب الممطر.
أما الوضع والإرضاع فهما إذن ترشيح للتشبيه، كذلك تؤكد جملة التشبيه المبنية على حذف الأداة بأن يقع المشبه والمشبه به مفعولين لفعل من الأفعال التي تنصب مفعولين مثل: علم، ورأى، وحسب، وظن، وخال، ونحوها، فهذه الأفعال تنبئ بالتشبيه، وترشد إليه، وليست أدوات؛ بل الأداة تكون مقدرة كما سبق أن ذكرنا.