الوجهين دونما اختلاف. والحق مع شراح (التلخيص) بأن الجناس لا بد فيه من ذكر طرفيه على نحو ما تقدم. أما جناس المضارعة: فهو -كما ذكرنا آنفًا- منظور فيه إلى اختلاف نوع الحروف في الطرفين، مع بقاء بقية مقومات الجناس الأخرى التي هي الاتفاق في عدد الحروف، وضبطها، وترتيبها، فجناس المضارعة إذًا: هو أن تجمع بين طرفي جناس لا اختلافَ بينهما إلا في حرف واحد متحد في المخرج، أو متقارب مع نظيره في الطرف الآخر. ومن أمثلته قول الشريف الرضي:

لا يذكر الرمل إلا حق مغترب ... له لدى الرمل أوطان وأوطار

جانس بين "أوطان" و"أوطار" والراء والنون من مخرج واحد عند بعض اللغويين مع اختلاف يسير في الصفة. ومن أمثلة وقوعه في الوسط: قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} (الأنعام: 26) فالاختلاف بين الهاء والهمزة، وهما من مخرج متحد وهو الحلق. ومثال وقوعه في الآخر: الخيل معقود بنواصيها الخير. الجناس بين "الخيل" و"الخير" واللام والراء متحدَا المخرج مع اختلاف يسير في الصفة كذلك، وكقولك: قرأ فقرَع الأسماع، قد جانستَ بذلك بين "قرأ" و"قرع" والهمزة والعين حلقيتان. هذا واتحاد المخرج أو تقاربه ضروري في تسمية الجناس مضارعًا، فإن تباعد المخرجان قد أخرج هذا اللونَ إلى مسمى آخر أطلقوا عليه اللاحق، وقد مثَّلوا له بقوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} (الهمزة: 1) لِبُعد مخرجي اللام والهاء، وقد وقع الاختلاف هنا في الأول. ومثلوا الوقوع في الوسيط بقوله تعالى: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (العاديات: 7، 8) إذ الاختلاف بين الدال والهاء، وهما وسط الحرفين، ومخرجاهما متباعدان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015