فَكيه وأطلق ما بين كفيه، فالتقديم والتأخير اعترَى الفاء والكاف وحدهما، ومنه في الشعر قول عبد الله بن رَواحة يمدح الرسولَ -صلى الله عليه وسلم:
تحمله الناقة الأدماء معتجرًا ... بالبَرد كالبدر جلا نوره الظلم
والجناس بين "البرد" و"البدر" فالباء في الطرفين أول، والتغيير إنما وقع بين ترتيب الدال والراء. ومنه قول المتنبي:
منعمة ممنعة رَداح ... يكلف لفظها الطير الوقوع
والجناس بين "منعمة" و"ممنعة". وقد نص البديعيون على نوع ثالث من جناس القلب سموه بالمقلوب المستوي، وضابطه: أن يكون ترتيب الحروف في طرف عكس ما هو في الطرف الآخر، بحيث يمكن قراءة الكلمتين من الشمال إلى اليمين، كما تُقرأ من اليمين إلى الشمال، مثل قولهم: كَبَّر رجاءَ أجر ربك، فإنك لو أردتَ قراءة هذه الجملة من الشمال إلى اليمين، لأمكن لك ذلك، وذكروا له أمثلة أخرى، مثل: سور حَماه بربها محروس، وقولهم: سِرْ فلا كَبَا بك الفرس. ومن الشعر قول القاضي الأرجاني:
مودته تدوم لكل هول ... وهل كل مودته تدوم
فإنك تستطيع أن تقرأ هذا البيت مبتدئا بآخر حرف فيه، بحيث يصير أول كلمة "مودته" المصدَّر بها البيت، وهكذا حتى تحصل على البيت مرة أخرى بلفظه ومعناه دونما أدنى تغيير. ومثله قول الآخر:
نال سِر العلا بما قد حواه ... أو حد قام بالعلا رسلان
قد عارض شُراح (التلخيص) في عد هذا النوع من تجنيس القلب، وبنوا رفضهم على اعتبار أن تجنيس القلب يجب أن يذكر فيه المجانس له على هيئة من القلب، وأنه لا يُشترط فيه القلب على هذه الصورة، يعني: بحيث يمكن قراءته من