والإيحاءات في كل يختلف عن الآخر تمامًا؛ لقد عبر مثلًا عن هلاك ثمود بأنهم صاروا كالهشيم، وهو شجر اليابس، وهذا يكفي في إفادة هلاكهم، لكنه يضيف إلى المشبه به هذا القيد كلمة {الْمُحْتَظِرِ} أي: الذي يعمل الحظيرة لمواشيه من يابس الشجر، فما سقط منها داسته فهو الهشيم؛ ولذا أفاد هذا القيد حقارتهم وازدراءهم، فهم كالهشيم الذي تطؤه الدواب، وتبول عليه، وتروث؛ بينما نجد الهلاك مثلًا مع أصحاب الفيل، فقد جعلوا كالعصف، وورق الزرع، وهذا كافٍ في إفادة الهلاك.
لكنه قيَّد العصف هنا بهذا الوصف كلمة {مَأْكُولٌ} أي: أكلته الدواب، وراثت عليه، وبالت، فهم قد صاروا إلى حال أخرى في أجسادهم، بخلاف الصورة الأولى التي تصور هلاك ثمود، فثمود قد تهشم، وبقيت أوصاف أجسامهم.
أما هؤلاء فقد أصبحوا أثرًا بعد عين، فنجد أن القرآن أبرز هلاك أصحاب الفيل في صورة أشد وأفظع من هلاك ثمود، ويرجع ذلك إلى الحال الذي اقتضى هلاك كلٍّ، فثمود عقروا الناقة وأعرضوا عن آيات ربهم، لكن أصحاب الفيل قصدوا الكعبة، وأرادوا هدم البيت، واقتلاع أسسه، وأرادوا إزالة أول بيت وضع للناس؛ لذا كان هلاكهم أشد.
ثاني هذه الأقسام التي تدخل في أقسام التشبيه باعتبار وحدة الطرفين، أو التعدد: ما جاء من قبيل تشبيه الواحد بالمتعدد، فمثلًا عندما يقول الشاعر، وهو عمران بن حطان يذم الحجاج بالجبن يقول:
أسد عليَّ وفي الحروف نعامة ... فرخاء تنفر من صفير الصافر
فشبه مخاطبه بالأسد، ثم بالنعامة، فالمشبه واحد، لكن المشبه به متعدد، من ذلك أيضًا قول امرئ القيس: