فالخافقان معناهما القريب المورى به المشرق والمغرب، ومعناهما البعيد المورى عنه قلبه وقرط حبيبه، وقد بين هذا المعنى بالنص عليه في الشطر الأخير: "وليس هما سوى قلبي وقرطك". ومن التورية المبينة التي ذكر فيها الملائم قبلًا قول القاضي عياض يصف صيفًا باردة:
كأن كانون أهدى من ملابسه ... لشهر تموز ألوانًا من الحُلل
أو الغزالة من طول المدى خَرفت ... فما تُفرق بين الجدي والحمل
ففي ألفاظ: "الغزالة" و"الجدي" و"الحمَل" تورية مبينة، إذ المعنى القريب للغزالة الظبية، وللجدي ولد المعز، والحمل ولد الضأن، والمعنى البعيد للغزالة الشمس، وللجدي برج الجدي وهو برج البرد، وللحمل برج الحمل وهو برج الدفء، وقد ذكر في البيت الأول ما يلائم هذه المعاني البعيدة المورى عنها، وهو إهداء كانون من ملابسه لتموز ألوانًا من الحلل، ومعنى البيتين: أن هذا صيف بارد، وكأن برودته ترجع إلى أن شهر كانون الواقع في زمن البَرْد قد أهدَى لشهر تموز الواقع في زمن الصيف ألوانًا من البرد والسقيع، أو أن الشمس قد خَرفت، فبَدل أن تنزل في برج الدفء وهو برج الحمل، نزلت في برج البرد وهو برج الجدي، وكأنها لم تستطع أن تفرق بين البرجين؛ لتخريفها.
وبعض البلاغيين يرى أن التورية في الغزالة مرشحة؛ لأن خرفت بمعنى قل عقلها تلائم المعنى القريب وهو الظبي، وهذا ليس برأي؛ لأن المعنى قائم على التصوير والتخييل، فإسناد: "خرفت" إلى "الغزالة" استعارة تخييلية -على نحو ما عرفنا في علم البيان- وبعضهم يرى أن: "الغزالة" و"الجدي" و"الحمل" توريات مرشحة، ترشح كل منها الأخرى، وهذا أيضًا ليس برأي؛ لأن ملائم المعنى ولوازم التورية يُشترط فيها ألا تكون ألفاظًا مشتركةً، و"الغزالة" و"الجدي"