مَن يصل بها أو بإحداها إلى ما وصلت إليه "غير" و"إلا" في الاستثناء المفرغ، وليس هذا ببعيد.

أما وجه التوكيد فإنه في إثبات صفة المدح أو نفي صفة الذم إذا ما أتت بعد أي منهما أداة استثناء أو ما يشاكلها، فإنها تردك عما استقر في ذهنك من إثبات ما ثبت أو نفي ما نفي، والشأن فيما يأتي بعد أداة الاستثناء أن يكون مخالفًا لما قبلها، أي: أن يكون من قبيل الذم، فإذا ما جاء بعدها صفة مدح كان ذلك تثبيتًا لمَا مضى من المدح وتأكيدًا له، فلو كانت هناك صفة ذم على الحقيقة لكانت أولى بالذكر في هذا المقام، فلَمَّا لَمْ يجد المتكلم ما يستثنيه من صفات الذم أثبت صفةَ مدحٍ أخرى ترسخ ما سبق من وصف، وعلى هذا يكون مجرد ذكر أداة الاستثناء كافيًا في هذا المقام، وإن كان ابن رشيق يذهب مذهبًا آخرَ سبق الكلام عليه. لكنه مع التسليم بأن مجرد ذكر أداة الاستثناء يوهم بأن ما سيأتي من صفات مخالف لِمَا سبق، فإن طول أمد هذا الوهم بأن يذكر بعد أداة الاستثناء ما يوهم أنه من صفات الذم من حيث ظاهره، يعطي لهذا اللون سحرًا بلاغيًّا خاصًّا -كما سبق تفصيل القول فيه.

ثم إن صورة النفي لها وجه آخر من وجوه التوكيد، وهو أن تقدير الاتصال في الاستثناء يحوله إلى باب التعليق بالمحال، وإلى هذا فطِن العلماء قديمًا وصرحوا به، قال الزمخشري في آية النساء: "فإن قلت: كيف استثنى ما قد سلف مما نُكِح آباؤكم؟ قلت: كما استُثني: غير أن سيوفهم من قوله: ولا عيب فيهم". يعني: إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سبق فأنكحوه فلا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن، والغرض -كما قلنا- المبالغة في تحريمه، وسد الطريق إلى إباحته، تمامًا كما يعلق بالمحال في التأييد في نحو قولهم: حتى يبيض القار، و {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (الأعراف: 40).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015