ولا يتوقف الأمر في هذا الباب عند أدوات الاستثناء، فقد جاء توكيد المدح بما يشبه الذم بـ"لولا" ومما ورد من ذلك قول عمر في علي -رضي الله عنهما: "لله دره لولا دعابة فيه". فالدعابة لا تعيب الرجال العظام، ولا تنافي الخلافةَ وتولي أمور المسلمين، ولو كان في علي صفة ذم على الحقيقة لكانت أولى بالذِّكر في هذا المقام. وهكذا نرى أن هذا الباب يكون بأدوات الاستثناء وبغيرها، وإن كانت أدوات الاستثناء هي الأصل في هذا الباب، حتى سماه الحاتمي وأصحابه باسم الاستثناء -كما سبق أن ذكرتُ- وأن "غير" هي المقدمة في هذا الباب على كل الأدوات في الإثبات والنفي على السواء، وأن "إلا" لم يصل إلينا من صور الإثبات منها إلا ما لا قيمةَ له، وأما في صور النفي وخاصة الاستثناء المفرغ فإن لها مكانةً ومنزلةً، وناهيك بآيات القرآن في هذا الباب. وأما الاستدراك الذي أنزلوه منزلةَ الاستثناء، فإن ما ورد منه هو نفس ما ورد في "إلا" في الإثبات، وهو بيت بديع الزمان الهمذاني، وبيت ابن قلاقس الماضيان، وهما على الترتيب:
هو البدر إلا أنه البحر زاخر ... سوى أنه الضرغام لكنه الوبْل
وقول ابن قلاقس:
هو الثغر إلا أنه البدر طالع ... على أنه الكافور لكنه الوبل
ويعنون بالاستدراك ورود "لكن" التي جاءت في آخر البيتين: "لكنه الوبل". وهو أيضًا ليس بشيء -كما سبق أن ذكرنا- ونحن هنا لا نتحدث حديثًا نظريًّا، وإنما نتحدث في إطار الواقع الفعلي لصور هذا الباب كما ورد في فصيح الكلام، على أن هذا لا يعني أن الباب في صور "إلا" في الإثبات والاستدراك وأدوات الاستثناء الأخرى التي لم نعثر على شواهد لها قد أغلق، لكنه قد تكون هناك صور أخرى لهذه الأدوات ولم تصل إلى علمنا، وقد يتاح لها من مقتدري الشعراء والأدباء