ولأنه حينئذٍ يبلغ بالخَلابة مداها، ويبلغ بتلاعبه بتصوراتك غايته، وكلما كان زمن الإيهام أقصرَ كان أقل بلاغة. ومما ورد فيه استخدام "سوى" أيضًا قول الآخر:

ما فيه من عيب سوى فتور عينيه فقط ... وفتور العينين يوهم العين

ولكنه عند التحقيق لا تراه كذلك، فإنه مما يستحسن في النساء، وبهذا تكون هذه الصورة غير ما سبقها فيما يلي أداة الاستثناء، وهكذا ترى في كل صورة خاصية ليست في غيرها. ومن ذلك قول صفي الدين الحلي:

لا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم ... يسلو عن الأهل والأوطان والحشم

فكون النزيل بهم يسلو عن الأهل والوطن والحشم ليس عيبًا، بل هو دليل كرمهم وبرهان حسن ضيافتهم. ومنه قول ابن الرومي:

ليس له عيب سوى أنه ... لا تقع العين على شبهه

فجعل انفرادَه بالحسن وعدم وقوع العين على شبيه له عيبًا، فزاد بهذا من حسنه وأكد جماله. أما "إلا" -وهي عمدة باب الاستثناء- فإن ما ورد منها في صور الإثبات ليس بشيء على الإطلاق، وانظر إن شئت إلى قول بديع الزمان الهمذاني يمدح خلف بن أحمد الساجستاني:

هو البدر إلا أنه البحر زاخر ... سوى أنه الضرغام لكنه الوبل

أو قول ابن قلاقس:

هو الثغر إلا أنه البدر طالع ... على أنه الكافور لكنه الوبل

وفتش عما فيه ما من صور الخلابة التي رأيتها فيما سبق من صور، أو مقدار الإيهام الذي لا بد منه في هذا الباب، بل فتش إن شئت عن الجمال والبيان في أي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015