منهما، فإنك لا تجد من ذلك شيئًا. أما في صور النفي فإن للأداة "إلا" باعًا واتساعًا ليس لغيرها من الأدوات الأخرى، وفي الاستثناء المفرغ على وجه الخصوص تتبدى فيه أسرار عديدة وعجيبة، وفي القرآن الكريم من صوره الكثير، وليس الأمر على ما ذكر ابن أبي الإصبع من أنه لم يجد منه في كتاب الله إلا آية واحدة احتال على تأويلها؛ ليدخلها في هذا الباب، وهو قوله -جل شأنه: {قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ} (المائدة: 59) وأضاف السيوطي إلى هذه الآية في هذا الباب قولَه تعالى: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} (التوبة: 74) وقوله: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} (الحج: 40) وينقل أيضًا عن التنوخي في (الأقصى القريب) استشهاده في هذا الباب بقوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} (الواقعة: 25، 26).

وهذا الذي أجهد ابن أبي الإصبع نفسه ودَعَا السيوطي إلى الاستدراك عليه والاستعانة بالنقل عن التنوخي، تعرض له الزمخشري في تفسيره، وأدخله في هذا الباب صراحةً، وتوقف عند ما ذكره هؤلاء من الآيات وما لم يذكروه كآية النساء: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} وقد سبق الكلام فيها. وآية الأعراف: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} (الأعراف: 126)، وآية مريم: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} (مريم: 62) وآية البروج: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (البروج: 8). وسار على طريق الزمخشري في هذه الآيات أبو السعود في تفسيره، والشوكاني في (فتح القدير) فالموضوع قديم إذًا وضع هذه الآيات المتعددة في إطار تأكيد المدح بما يشبه الذم، أو في باب: "ولا عيبَ فيهم" قديم أيضًا. بل إن الأمر أقدم من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015