ومَكرُمة تحمد له. ومن هنا اضطر حاتم الطائي أن ينفي هذا الوهمَ الذي طرأ بالبيت التالي:

سيبلغها خيري ويرجع أهلها ... إليَّ ولم تقصر علي ستورها

لا تلازم إذًا بين الزيارة وبين وصول الخير إليها، فالخير يمكن أن يصلها بدون زيارة، فالصلة والمودة والمعروف ورعاية المصالح وقضاء الحاجات والدفاع عنها عند الحاجة، وما شاكل ذلك، يتحقق له من غير الزيارة، ومن هنا ارتفع الوهم الذي جاء به الشرط في البيت الماضي. والملاحظ هنا: أنه نفَى أن تقصر عليه ستورها، وهو بذلك يعني نفي الزيارة المريبة، وهذا لا يمنع أن يرى جارته خارجَ الستور إذا كان هناك ما يدعو إلى ذلك من طلب حاجة، أو دفع مضرة، أو ما يجري مجرى ذلك، وبهذا ترى أن الوهم هنا وهم يبدو ويختفي، ويتجدد وينتهي على التوالي والتكرار، وليس الأمر كذلك فيما مضى من شواهد وأمثلة. وبهذا تختلف هذه الصورة عما مضى. ومما يقرُب من هذه الصورة في الحاجة إلى البيان والإيضاح والشرح، قول أبي هفان وهو المستحسن عند الحاتمي في هذا الباب:

فإن تسألي عنَّا فإنَّا حلا العلا ... بني عامر والأرض ذات المناكب

ولا عيب فينا غير أن سماحنا ... أضر بنا والبأس من كل جانب

وأفنَى الردى أعمارنا غير ظالم ... وأفنى الندى أموالنا غير عائب

أبونا أب لو كان للناس كلهم ... أبًا واحدًا أغناهم بالمناقب

فجنس العيب المنفي جاء بعده الاستثناء؛ ليوهمك بأن هناك شيئًا من العيب، ثم أثبت للسماح والبأس إيقاع الضرر بهم من كل جانب، والضرر على هذه الصورة ضرر شامل، وهذا يردك مرة أخرى إلى التوهم والترقب والانتظار؛ لتعرف طبيعةَ هذا الضرر، وجاء البيت التالي ليبين لك طبيعة الضرر، فإذا به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015