وليس هذا هو الوجه الوحيد في معنى الآية وإن كان أرجحها عند أبي السعود. أما عند العلوي فنجد تأكيد المدح بما يشبه الذم وتأكيد الذم بما يشبه المدح أحد وجهي التوجيه، ذلك المصطلح الفضفاض عنده الذي جمع في جعبته عدة فنون بلاغية، وعلى الرغم من ذلك فإن مصطلح تأكيد المدح بما يشبه الذم ظل هو المصطلح المرضي عند جمهرة علماء هذا الفن، وفي مقدمتهم السكاكي والخطيب وشراح (التلخيص). والذي يُفهم من دلالة هذا المصطلح الشائع أن صورة المدح المراد توكيدها تأتي في معرض ما يشبه الذم، ولو لم ترد في هذه الصورة لخرجت من هذا الباب، فإذا ما نظرنا في البيت العلم الذي يعد عمدةً في هذا الباب؛ لأنه هو الذي فتح القولَ فيه، وهو قول النابغة الذبياني:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

فما الذي نره؟ إنك تجده يبدؤك بنفي جنس العيب عنهم، فينفي أن يكون فيهم عيب أي عيب، فلا هنا نافية للجنس، وقبل أن تستقر في وعيك هذه الحقيقة -وهو أنهم قوم لا شيء من العيب فيهم- جاءتك أداة الاستثناء غير، وأنت لا تستثني مما مضَى إلا ما هو داخل فيه، وفي هذا إيهام بأن هناك شيئًا من العيب يمكن أن يَلحق بهم، ويستمر هذا الوهم معك وهو ينشد ما بعد أداة الاستثناء: "أن سيوفهم بهن فلول".

ويظل وهمُك باقيًا مع هذا الاستمرار حتى إذا ما وصل إلى آخر العبارة الماضية، وهو لا يصل إليها في إنشاد الشعر إلا بعد وقت طويل بالمقارنة بقراءة الجملة النثرية، ويزيد في زمن الإنشاد أن هذه الفقرة موزعة بين شطري البيت، ومن المحتمل أن يكون إنشاد الشعر عندهم كان قائمًا على أساس من إنشاد كل شطر وحده. أقول: إن وهمك يظل باقيًا مع استمرار الإنشاد ويظل ذهنك مترقبًا لهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015