المستثنى أو المستدرك سيكون ذمًّا؛ لأن هذا ما قد ألفه واعتاده من مثل هذا الأسلوب، ولكن المتكلم يعدل عن ذكر ما قد ألِفَ إلى ذكر صفة مدح يؤكد بها المدح الأول، ولهذا سمي الأسلوب تأكيد المدح بما يشبه الذم. ومثل ذلك يقال في تأكيد الذم بما يشبه المدح. وتأكيد المدح بما يشبه الذم مما سجله ابن المعتز في كتاب (البديع) وأطلق عليه هذا المصطلح، غير أنه نكر المدح فقال: "ومنها تأكيد مدح بما يشبه الذم"، ثم أطلق الحاتمي عليه الاستثناء، وتبعه على هذا المصطلح جماعة من العلماء.

وربما كان سبب ذلك أن الاستثناء يمثل في هذا الفن ركيزته الأساسية، وهناك من أطلق عليه تأكيد المدح بما يوهم الذم، وربما كان ذلك مأخوذًا من ابن فارس الذي عقد بابًا في كتابه (الصاحبي) أسماه: باب إخراج الشيء المحمود بلفظ يوهم غير ذلك، وقد أخذه الثعالبي وحور فيه قليلًا فقال: "فصل في إخراج الشيء بلفظ يوهم ضد ذلك". وسار أبو العباس الجُرجاني وراء ابن فارس، وبعضهم سماه: ذكر المدح في معرض الذم، ولكن سعد الدين التفتازاني اقترح في (المطول) أن يطلق عليه تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه؛ ليتسع لهذه الصور وغيرها مما ليس فيه مدح وذم، مما يدخل في باب التعليق بالمحال، ومن هنا ذهب إلى أن مصطلح تأكيد المدح بما يشبه الذم، قائم على الأعم الأغلب، وإلا فقد يكون ذلك في غير المدح والذم، ويكون من محسنات الكلام، كقول الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} (النساء: 22). يعني: إن أمكن لكم أن تنكحوا ما قد سلف فانحكوه، فلا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن، والغرض هو المبالغة في تحريمه. والمعنى: إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد مات من زوجات آبائكم فانكحوهن، فهذا النوع الوحيد المحلل لكم من أزواج آبائكم، وهذا من باب التعليق بالمحال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015