والأغراض هي التي استدعتها ومن ثَم رفعت من قدرها، ووقعت موقعًا حسنًا من نفوس السامعين.
من جهة المقابلة في النثر ما ورد منها في القرآن الكريم حيث جاءت في أعلى درجات الإعجاز البلاغي، وقد مر بنا بعض الأمثلة في القرآن، ومنها -من غير ما سبق- قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (الأنعام: 125)، فقد قابلت الآية بين الهداية وشرح الصدر، وبين الضلال وضيق الصدر، والآية تعزية وتسلية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما يلاقيه من عناد الكفار وغرورهم، فهي إخبار من الله لرسوله ألا يهتم بأمرهم ولا يحزن عليهم، فالأمر كله لله، فمن أراد هدايته للحق وتوفيقه للخير فإنه يشرح للإسلام صدره، ويوسّع للقرآن قلبه، فعند ذلك يستنير الإسلام في قلبه ويتسع له صدره.
وقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شرح الصدر فقال: ((هو نور يقذفه الله في قلب المؤمن، فينشرح له وينفسح، فقالوا: فهل لذلك من أَمارة يعرف بها؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت))، أما من فسدت فطرته وساءت نفسه إذا طُلِب إليه أن ينظر في الدين ويدخل فيه يجد في صدره ضيقًا وأي ضيق؛ وذلك لما استحوذ عليه قلبه وامتلأ من سيئ التقاليد والحسد، والعناد والكبر والغرور، وهذا الصنف تكون إجابة الداعي عنده ثقيلة على نفسه جدًّا، فيشعر بضيق شديد وحرج كثير، كأنه كُلف من الأعمال ما لا يطيق أو أُمر بصعود السماء. وواضح أن المقابلة أدت حقها في تأدية هذا المعنى والوفاء به، وأبرزت كلا الفريقين وحاله في الصورة التي أرادها الله لهما مما يبعث الطمأنينة ويزيل الحسن من نفس الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.