ومن جيد المقابلة ما جاء منها في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد مر بنا بعض أمثلته؛ من ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((تعِس عبد الدينار وعبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن منع سخط، تعس وإذا شيك فلا انتقش)) فقد قابل في الحديث بين: ((أعطى)) و ((رضي)) من جانب، وبين: ((منع)) و ((سخط)) من جانب آخر، فجاءت المقابلة رائعة خلابة.

ومن جيد المقابلة قول الإمام علي -رضي الله عنه- في خطابه لعثمان -رضي الله عنه-: "إن الحق ثقيل مري والباطل خفيف وبي"، فقابل الحق بالباطل والثقيل المري بالخفيف الوبي، ومن ذلك ما جاء من قول الحجاج بن يوسف حين أراد قتل سعيد بن جبير، فلما أحضر إليه أمر من كبّه ثم قال: مَن أنت؟ فقال: أنا سعيد بن جبير فقال: بل أنت شقي بن كسير، فقابل سعيدًا بشقي، وجبيرًا بكسير، قال العلوي معلقًا على هذه المقابلة وجودتها: كأن الحجاج من المعدودين في الفصاحة والمشار إليهم في البلاغة.

ومن جيد المقابلة وألطفها قول رجل لمعاوية يعزيه في وفاة بنت له: الحمد الله الذي أكرمها بوقوفك على قبرها، ولم يخزها بوقوفها على قبرك.

ومن ذلك قول الحسن -رضي الله عنه-: "ما رأيت يقينًا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت". ومن كلام بعض البلغاء: من أقعدته نكاية اللئام أقامته إعانة الكرام، ومن ألبسه الليل لون ليل ظلمائه نزعه النهار عنه بضيائه.

ومن الأشعار مما جاءت فيه المقابلة جيدة رائعة قول أبي تمام:

قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

فقابل بين ينعم والبلوى وبين يبتلي والنعم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015