الصحيحة فكأنها هي مفقودة، والقرآن الكريم وصف الكفار تارة بأنهم صم بكم عمي وتارة بأنهم موتى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُور}.

ثم يأتي التقابل الثاني هذا من بلاغة التقابل في القرآن الكريم بين الذكر والأنثى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (الليل: 3)، وهما نوعان متقابلان أشد التقابل في الخلق والتكوين والخصائص النفسية والجسمية، ودور كل منهما في الحياة، ومع هذا التقابل الشديد فإن حركة الحياة لا تتم إلا به، ولولا هذا التقابل ما كانت هناك حياة ولا أحياء، وهذا التقابل الكامل بين الذكر والأنثى الذي نشأت منه حركة الحياة واستمرارها، هو بعينه التقابل الشديد في كل وجوه الحياة، وبه تستمر حركتها وتستمد الحياة ديمومتها؛ لأنه من هذا التقابل تنشأ حركة التدافع، وبالتدافع تستمر حركة الحياة {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة: 251).

ثم يأتي مِفتاح السورة كلها عقب هذه الأقسام: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} (الليل: 4)، سعي متفرق متقابل أشد التقابل متناقض أشد التناقض؛ متناقض في بواعثه ودوافعه متناقض في مسلكه وطرقه متناقض في نتائجه وآثاره، ثم تأتي الآية الكريمة: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} لتفصل هذا السعي تفصيلًا بينًا، وهي التي وقفت عندها كتب البلاغة المتأخرة تعدد ما فيها من وجوه التقابل، ولا تتخطى هذا الحصر بحال، ولكن انظر في تيسير كل منهما فيما سلك من طريق، وانظر هذا التقابل الشديد فيه تجد كيف يكون؟ كيف ييسر من أعطى واتقى وصدق بالحسنى؟ إنه تعالى ييسره لما يسر له نبيه -صلى الله عليه وسلم- {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} (الأعلى: 8).

وكيف ييسره مَن بخل واستغنى وكذب الحسنى؟ إنه سبحانه ييسره لما اختاره لنفسه من طريق: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} (مريم: 75)، وما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015