فأي البيتين أدل على كثرة القتل في جيش العدو؟ وهل يترك المعنى في المفاضلة إلى عدد المقابلات وإن قصرت في تأدية المعنى المراد؟
إن القضية في المقابلات -ونكرر مرارًا وتكرارًا- قضية معنى وليست قضية عدد ولا قضية تضاد حقيقي، وانظر إن شئت في مقابلة أربعة بأربعة، فماذا ترى؟ إنك ترى أن جو الصورة كله من بدايته إلى نهايته قائم على هذه المقابلة، وهي مقابلة ليس فيها أدنى شيء من التلاقي أو التداخل، إن التقابل فيها يصل إلى أقصى درجاته، وتجد ذلك في افتتاح سورة الليل بالقسم بالليل في أقصى درجات ظلمته وبالنهار في أقصى درجات ضيائه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}، إن القسم هنا ليس بالصباح ولا بالفجر، حيث يختلط النور بالظلام، ولكنه بالليل إذا يغشى وبالنهار إذا تجلى؛ حيث يتقابل الظلام الدامس الذي تضل فيه الرؤية ويخبط فيه الناس خبط عشواء، لا يلوُن على شيء، ولا يهتدون بشيء ولا يتبينون شيئًا.
أقول: حيث يتقابل هذا الظلام الدامس مع الضياء الساطع في النهار المتجلي التي تسطع شمسه في أفق السماء وترسل أشعتها وضياءها إلى الأرض، لا يحجبها عن الأرض سَحاب ولا غبار ولا دخان، فيتبين الأعشى طريقه فضلًا عن البصير، وتتضح المسالك غاية الاتضاح، فلا يضل السالك طريقه ولا يتخبط أحد؛ لأن كل شيء متضح مبين وهكذا الإيمان والكفر.
أو إن شئت قلت: إن في الظلام الدامس همودًا وسكونًا كأنه سكون القبور وإذا دخلت قرية في غبش الظلام لأول مرة في حياتك فإنك لن تفرق بين بيوت الأحياء وقبور الأموات؛ لأن السكون يشمل كل شيء في الليل البهيم، وأما النهار المتجلي ففيه الحياة والحركة والحيوية والنشاط، وهكذا الإيمان والكفر. فالأول إحساس وإدراك وبصر وبصيرة، والثاني تفقد فيه هذه الحواس وظائفها