وإرادة الكناية أو التورية بها ليس هو الذي يحقق فيها وجه المخالفة، وإذا كانت الألوان في شواهد ابن سنان ليست من الحقائق فإنها في شواهد ابن رشيق ما هو من قبيل الحقيقة، وهي داخلة في الطباق، يقول الحسين بن مطير الأسدي:
بسود نواصيها وحمر أكفها ... وصفر تراقيها وبيض خدودها
ورواية ابن الأنباري وابن الأعرابي للبيت:
لصفر تراقيها وحمر أكفها ... وسود نواصيها وبيض خدودها
وعلى الرغم من أن هذه الألوان يمكن أن تُحمل على الكناية كأن يُقال: أنه كنّى بها على شباب المحبوبة، ورغد عيشها، وطيب ريحها؛ على الرغم من ذلك فإن حملها على الحقيقة فيما يبدو أقوى؛ لأنها تؤدي نفس المعاني التي تؤديها الكناية، وتزيد عليها وجود حقائق هذه الأشياء في محبوبته.
اجتماع الألوان إذن في نص واحد يدخل في باب الطباق على السعة، يستوي في ذلك أن تكون الألوان دالة على الحقيقة أو تكون دالة على التورية أو تكون دالة على الكناية، والأساس الذي تدخل عليه الطباق هو أساس المخالفة، وليس أساس التضاد، والخطيب القزويني يعتد به طباقًا من غير قيد ولا شرط حينما قال: ومن الطباق قول أبي تمام ... ثم ذكر شواهده، ثم قال في آخرها: ومن الناس من سمى نحو ما ذكرنا تدبيجًا، وهو يذكر التدبيج وتعريفه وشروطه على أنه رأيٌ ارتآه بعض الناس لا على أنه شيء يذهب إليه هو، وإذا كان الخطيب لم يستشهد إلا بالأبيات التي تتحقق فيها شروط هؤلاء، فلا يعني هذا أنه يحصر نفسه في هذا الإطار وحده.
بل إن صاحب (الإشارات والتنبيهات) جعل الجمع بين الألوان من التضاد الحقيقي ولم يشترط فيه أن يجيء بقصد الكناية أو التورية، حتى وإن كانت