وعلى أي حال، فالكلام في الجمع بين الألوان في نص واحد يعود إلى القرن الرابع الهجري على ما أفاده الإمام الرّماني.
الموضوع إذن قديم، ومعالجة الموضوع في إطار التضاد الحقيقي والتضاد غير الحقيقي أو التضاد والمخالفة، أغنى هؤلاء العلماء عن وضع مصطلح مستقلٍّ له، لأن الإطار الذي بُحث فيه هذا الموضوع هو إطار الطباق، وابن أبي الإصبع الذي ذهب إلى أنه صاحب التدبيج ومخترعه، عرفه بقوله: هو أن يذكر المتكلم ألوانًا يقصد الكناية بها والتورية بذكرها عن أشياء من وصفٍ أو مدح أو هجاء أو نسيب أو غير ذلك من الفنون، أو لبيان فائدة الوصف بها، والأساس الذي أقيم عليه التدبيج هنا هو أن تُذكر الألوان بقصد التورية أو الكناية، أما إذا ذُكرت وبقيت على حقيقتها فلا تدخل في إطار التدبيج بحسب هذا التعريف.
وذكر بعضهم أن ذكر الألوان باقية على حقيقتها لا يمنع التدبيج كما في قوله:
ومنثورُ دمعي غدَا أحمر ... على آسي عارضك الأخضر
وكما في قول الصلاح الصفدي:
ما أبصرت عيناك أحسنَ منظرًا ... فيما يرى من سائر الأشياء
كالشامة الخضراء فوق الوَجنة ... الحمراء تحت المُقلة السوداء
والذي ذهب إليه بعضهم هنا صحيح؛ فإن الناظر في شواهد ابن أبي الإصبع نفسه يرى منها ما هو حقيقي، فذكر شاهدين أحدهما من القرآن الكريم، وقد استطاع أن يطبق التعريف عليه، والشاهد الآخر كان من الشعر. وإذا نظرنا إلى الألوان في إطار الطباق كما هو أصل نشأتها وكما هو نهاية مطافها، فإننا نجد أن الأمر فيها قائم على الجمع بين الألوان، وأن قدامَى العلماء بنوا الأمر في الجمع بينها على المخالفة، والمخالفة تدخل في الطباق توسعًا أو تقترب من التضاد،