شواهده تنطبق عليها نفس الشروط، ثم انطلق من عد التضاد بينها تضادًّا حقيقيًّا إلى احتساب هذا النوع من التضاد الظاهر كما مضى، أما الاقتصار على الشواهد التي تتحقق فيها الشروط فهي أن العلماء كثيرًا ما ينقل بعضهم عن بعض المسائل والأمثلة، ونحن نجد شواهد هذا اللون في (الإشارات والتنبيهات) هي نفس الشواهد المذكورة في (الإيضاح)، وبنفس الترتيب ما عَدَا شاهدًا واحدًا، وهو قول أبي تمام:
تَرَدّى ثِيابَ المَوتِ حُمرًا فَما أَتى ... لَها اللَيلُ إِلّا وَهيَ مِن سُندُسٍ خُضرُ
ومحمد بن علي الجرجاني كان معاصرًا للقزويني ومات قبله بعشر سنوات، واطلع على كتابه وتعقبه في كثير من المواضع، وشواهد الخطيب الثلاثة على هذا اللون، هي هي بعينها شواهد يحيى بن حمزة العلوي في (الطراز) وبنفس الترتيب أيضًا باستثناء شاهد واحد هو:
وأحببت من حبها الباخلين ... حتى ومقت ابن سلم سعيدًا
إذا سيل عرفًا كسا وجهه ... ثيابًا من اللؤم بيضًا وسودًا
وعلى الرغم من أن هذا الشاهد يمكن أن يكون من التدبيج؛ لاجتماع الألوان فيه، فإن الجمع بين السواد والبياض يختلف عن الجمع بين الألوان الأخرى؛ لأن هذا من التضاد الحقيقي، ذلك أن السواد والبياض يتضادان على الحقيقة، وليس كذلك الأمر في الألوان الأخرى، وسبق أن قلنا مرارًا: أنها مبنية على المخالفة وليس على التضاد كما ذكر ذلك ابن سنان وابن رشيق.
والجمع بين الألوان في التراث القديم قليل مستساغ ولكنه في العصور المتأخرة تبارَى فيه الشعراء والكتاب، وجاء بعضه سائغًا مقبولًا وجاء أكثره متكلفًا مردودًا، وقد خص الثعالبي الباب الحادي عشر من كتابه (التوفيق للتلفيق) لهذا