في قوله: {وَمَنْ يُؤْتَ} ونائب الفعل هنا ليس هو الفاعل للفعل في صورته الأولى، وهذا هو الفرق بين هذه الصورة وبين الصورتين الماضيتين، وهو فرق كبير، ولكن إذا لم تكن صريحة في التضاد كما فيما قبلها، فإنها قريبة منهما وشبيهة بهما.

ومن ذلك ما روته أم سلمة -رضي الله عنها- من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من بيته، قال: ((بسم الله، توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك من أن أذل أو أُذل، أو أضل أو أُضل ... )) فالأفعال: ((أذل))، ((أضل))، ((أظلم))، جاء مرة مرة مبنية للفاعل وفاعله الضمير العائد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا مما يعم فيه الخطاب، وفي الصورة الثانية جاء مبنيًّا للمفعول ونائب الفاعل نفسُ الضمير المستتر السابق، والأمر كذلك في الفعل: ((أجهل))، غير أن هناك فرقًا بينه وبين سابقيه، فالفعل: ((أظلم)) و ((أذل)) ... إلى آخره، أفعال متعدية بينما الفعل ((أجهل)) فعل لازم، ولأن الأول تعدت بنفسها؛ لأنه يُصاغ منها المبني للمفعول مباشرة بلا واسطة، ولأن الثاني لازم هو ((أجهل))؛ لأنه يُصاغ منه المبني للمفعول بواسطة حرف الجر، ولكن هذا الفرق لا أثرَ له في تحقق التضاد بين الصورتين.

ومن ذلك ما جاء في (عيون الأخبار) من أن المغيرة بن شعبة ذكر عمر بن الخطاب فقال: كان أفضل من أن يُخدع، وأعقل من أن يَخدع"، فالفعل المضارع يخدع جاء في المرة الأولى مبنيًّا للمعلوم وجاء في المرة الثانية مبنيًّا للمجهول، والمسند إليه في الحالين واحد، وهو الضمير المستتر العائد إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وفي الثانية ينفي أن يقع فعل الخداع عليه؛ لأنه أفضلُ وأعقلُ من أن يقع منه ذلك، ولا ريبَ أن المعنيين متضادان، ومن هنا يمكن أن تدخل هذه الصورة دائرة الطباق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015