كان هذا الاستعمال من الطباق الخفي، ومن ذلك قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (الأحزاب: 10) فالذي يُضاد فوق هو تحت، ولكن الاستعمال القرآني آثَر عليه أسفل وهو لا يُضاد فوق على الحقيقة، ولكنه يُلمَح فيه معنى التضاد، ومن هنا كان من الطباق الخفي.
ومن الطباق الخفي ما ذهب إليه بعضهم من أن مِن تفيد الانتهاء كما تفيد الابتداء، ومثلوا له بقول بعضهم: رأيت الهلال من داري خلال السحاب.
وكما يأتي الطباق ويتحقق بين الفعل المبني للمعلوم وقرينه، يأتي كذلك بين الفعل المبني للمعلوم والفعل المبني للمجهول في جملة واحدة، ففي قول الله تعالى مثلًا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (التوبة: 111) نجد أن الفعل يقتل أُسند مرة إلى الفاعل، وجاءت واو الجماعة فاعلًا له، وأُسند مرة أخرى إلى المفعول وجاءت واو الجماعة نائب فاعل له، أي: أن القتل يقع مرة منه ويقع مرة عليه، وهما معنيان متضادان، ومن هنا صح أن تكون هذه الصورة من صور الطباق.
ومثل ذلك في الفعل المنفي قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (البقرة: 279)، فالفعل: {تَظْلِمُونَ} المنفي وقع مرة مبنيًّا للفاعل وفاعله واو الجماعة، وجاء مرة أخرى مبنيًّا للمفعول ونائب فاعله واو الجماعة نفسه، وهذان أمران متضادان يصح الطباق بينهما في الفعل المنفي كما صح في الفعل المثبت، ولا يبعد أن يكون في عداد ما سبق قول الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة: 269)، فالفعل مرةً جاء مبنيًّا للمفعول