ثم قال: فقوله غير صاح، نقيض تصحو، لولا أنه استفهام لم تُعلم حقيقة محصوله بعد، إلا على مذهب مَن جعل أم بمعنى بل، فكأنه قال لنفسه: بل فؤادك غير صاح، فناقض الصحو ودخل كلامه في المطابقة، وهذا يعني أنه لمح الطباق بين الفعل المستفهم عنه تصحو، وبين الاسم المنفي صاح، ومما هو من هذا الباب قول الله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} (الرعد: 14).
ففي هذه الآية اجتمع فعل المثبت يبلغ واسم المنفي بالغ، وكلاهما يرتد إلى مادة واحدة هي بلغ، من ذلك أيضًا قول ربيعة الرقي يمدح يزيد بن حاتم ويهجو يزيد بن أسلم السلمي:
لشتان ما بين اليزيدين في النَّدا ... يزيد بن سلم والأغر بن حاتم
يزيد بن سلم سالم المال والفتى ... أخو الأُسد للأموال غير مسالم
فقد اجتمع هنا الفعل سالم المثبت مع الاسم مسالم المنفي، ومن ذلك أيضًا قول الحسن بن وهب:
لله أيام خطبنا لينها ... في ظلة بالخندريس السلسل
من مدامة نغم السماع صفيرها ... لا خير في المعلول غير معلل
يغشَى عليها وهو يجلو مقلتي ... باز ويغفل وهو غير مغفل
ففي البيت الأخير اجتمع الفعل يغفل المثبت مع اسم الفاعل مغفل المنفي وبينهما طباق سلب، أما في البيت الثاني فطباق السلب بين معلول المثبت ومعلل المنفي، وهما اسمان، فهو من طباق السلب في الأسماء وحدها.
وفي قول الشاعر أيضًا:
كم من حبة لؤلؤ مثقوبة ... وحبة لؤلؤ لم تثقب