والإيجاب، الذي هو طباق السلب نفسه، وقلما تجد من لفت نظره إلى طباق السلب في الحروف والظروف، مع أن تعريف أبي هلال العسكري للسلب والإيجاب الذي تبعه فيه ابن أبي الأصبع يشمل هذا اللون أيضًا.
ولطباق السلب في الحروف شواهد كثيرة ومن ذلك قول الفرزدق:
أقول له لما أتاني نعيه به ... لا بظبي بالصرائم أعفرا
فحرف الجر الباء جاء مرة مثبتًا ومرة منفيًّا، وإن اختلف مجروره في الحالين، ومنه المثل المشهور الذي جاء على لسان الزباء: بيدي لا بيد عمرو، فحرف الباء هنا جاء مرة مثبتًا وجاء مرة أخرى منفيًّا، وبهذا يتضاد معنياه، ومن ذلك ما ذكره المبرد في (الكامل)، قال رجل لأبي بكر الصديق -رحمه الله-: لأسبنك سبًّا يدخل معك قبرك، فقال: "معك والله لا معي"، يريد أن سبه هو من كسبه وعمله، ومن ثم فهو المجزي عنه.
وتستطيع أن تنسج على هذا المنوال في الظروف والحروف ما شئتَ، وستجد أن طباق السلب مستساغ في الحروف والظروف، كما هو مستساغ في الأفعال والأسماء على السواء.
ولا يتوقف الأمر في طباق السلب على ما سبق، ولكنه في الحقيقة يمتد ليشمل الجمع بين الأفعال والأسماء إذا صيغتَا من مادة واحدة، وكان أحدهما مثبتًا والآخر منفيًّا، وممن التفت إليه من العلماء القدماء قدامة بن جعفر الذي استشهد ببيت الفرزدق:
لعمري لئن قل الحصا في رجالكم ... بني نهشل ما لؤمكم بقليل
وقال: فهذا ضرب من المكافأة من جهة السلب وهو يعني اجتماع الفعل قل المثبت مع صلة المشبهة قليل المنفية، ومنهم أيضًا ابن رشيق حين ذكر قول جرير:
أتصحو أم فؤادك غير صاح ... ............................