ذهب البعض إلى أن البديع كان اسمًا لكل فنون البلاغة من عناصر الجمال التي تميز الأدب من غيره، وهذا إمام البلاغيين الإمام عبد القاهر الجرجاني لا يرى البديع إلا وصفًا للبلاغة بمعناها العام، فنراه يقول: وأما التطبيق والاستعارة وسائر أنواع البديع فلا شبهةَ أن الحسن والقبح لا يعترض الكلام بهما إلا من جهة المعاني خاصةً، والاستعارة عنده كالطباق، وسائر ما يحسّن الكلام ويجعل له أثرًا في النفوس ومدخلًا في بلاغته كلها، يطلق عليه اسم البديع، وإذا كان من فرق بين مسائل البديع ومسائل كل من المعاني والبيان، فمن حيث طبيعة هذه الألوان وتلك، فإن ألوان البديع لا ارتباط بينها، فلا تعلق للون منها بالآخر، وعلى عكس ذلك مسائل المعاني والبيان التي نجدها مترابطة متشابكة يتعلق بعضها بالبعض الآخر.
يقول الدكتور أبو موسى: لا تحتاج ألوان البديع إلى ما تحتاج إليه فنون البيان من الدراسة والتحليل، فكل لون منها مستقلّ عن صاحبه، فدراسة الجناس غير مرتبطة بدراسة الطباق، ودراسة المشاكلة غير مرتبطة بدراسة السجع، فليس فنّ منها مبنيًّا على فن، وليس فن منها قسيمًا لفن، وذلك بخلاف ألوان البيان التي نجدها متشابكةً، فالاستعارة مبنية على التشبيه؛ فالتمثيل قِسمٌ من التشبيه، والمجاز منه مجاز في الكلمة، ومنه مجاز في الحكم، والمجاز في الكلمة ينقسم إلى مجاز مرسل واستعارة، والكناية أخت للمجاز، وغير ذلك من الروابط التي بين هذه الفنون التي يتفرع بعضها عن بعض، ويستلزم بعضها بعضًا.
لذلك كانت مباحث البيان كأنها مبحث واحد، وكانت مباحث البديع كأنها مباحث متفرقة، ومما تجدر الإشارة إليه أن التفرق وعدم الترابط بين ألوان البديع كان سببًا في نُضج هذه الألوان واكتمالها قبل أن تنضج مسائل المعاني والبيان