وتكتمل؛ وذلك لأن مسائل العلمين -المعاني والبيان- نظرًا للترابط القائم بينهما بحاجة إلى نضجٍ عقلي، ومستوًى من الذوق لم يكن ليتهيئا في وقت مبكر، ولم يتهيأ ذلك النضج العقلي والذوقي إلا في منتصف القرن الخامس الهجري على يد الإمام عبد القاهر الجرجاني، بينما كانت مباحث البديع وفنونه قد اكتملت قبل بداية القرن الخامس؛ ولذلك فإن عبد القاهر لم يشغل نفسه بهذه الألوان كما شغل نفسه بدراسة مسائل النظم وألوان البيان.
بالنسبة لأقسام المحسنات البديعية نرى أن العلوي -صاحب (الطراز) - قسم ألوان البديع ومحسناته إلى ثلاثة أدوار:
الأول: ما كان التحسين فيه راجعًا إلى الفصاحة اللفظية، ومنه ما يرد في المنظوم والمنثور كالتجنيس والترصيع، ولزوم ما لا يلزم، وغير ذلك من أصناف البديع، ومنه ما كان مختصًّا بالمنظوم كالتصريع، فإنه مخصوص بالقوافي لا يرد إلا فيه، وضابط هذا الضرب عند أن كل ما كان متعلقه راجعًا إلى الألفاظ، فهو بفصاحة الألفاظ أشبه.
النوع الثاني: ما كان التحسين فيه راجعًا إلى الفصاحة المعنوية كالتفويف والتوشيع، وغير ذلك من الأصناف المتعلقة بعلوم البلاغة، وضابط هذا الضرب أن كل ما كان متعلقًا بالمعاني، فهو من باب الفصاحة المعنوية.
القسم الثالث: ما كان التحسين فيه بمعزل عن الفصاحة اللفظية والفصاحة المعنوية على الخصوص، ولكنه ينزل منزلة التتمة والتكملة لهما، ويكون تحسين اللوم وتزيينًا لمواقعهما، وذكر منها (الكمال) و (الاستيعاب) و (الإيضاح) وغيرها، وواضح من تقسيم صاحب (الطراز) أن القسم الثاني الذي ذكره لا جدوى له؛ لأن الأصناف التي أدخلها في هذا القسم بعضها مما يتصل بتحسين المعاني وبعضها مما