وقد قالوا: أراد بالسماء هنا الغيث، وبضميره في رعيناه النبت.

وواضح أن إطلاق السماء وإرادة الغيث مجاز مرسل علاقته المجاورة، كما أن إطلاق الغيث؛ يعني الضمير في رعيناه؛ على النبات مجاز مرسل علاقته المسببية، وأيضًا إسناد الرعي إلى ضمير المتكلمين فيه إيجاز بالحذف، أي: رعته إبلنا ومواشينا، وأيضًا قوله: رعيناه، أخصر وأوجز من قوله: رعينا النبات الناشئ عن المطر.

أليست كل هذه الألوان في البيت والتي كان لأسلوب الاستخدام مدخلٌ فيها، مما اتفقوا على أنها من علمَي المعاني والبيان؟ ثم فوق هذا فالبيت كله كناية عن شرف هؤلاء القوم ووصفهم بالرياسة وشمول السيادة والسلطان. إذن لو افتقد البيت هذا اللون لأخل بكل هذه المعاني التي قصد إليها الشاعر قصدًا؛ تأديةً لغرضه ومطابقةً للحال التي ساق فيها هذا البيت.

وخذ حسن التعليل في قول أبي الطيب المتنبي:

ما به قتل أعاديه ولكن يتقي ... إخلاف ما ترجو الذئاب

فقد قالوا: أن الباعث على سفك دماء الأعداء هو إهلاكهم والتخلص منهم، حتى يصفو الجو، وتأمن النفس غائلتهم، ولكن الشاعر يرى أن هذا ليس علة لقتل الممدوح أعداءه، وإنما باعثه على قتلهم هو تمكن الكرم من نفسه، حتى صار يتقي إخلاف ما تأمله الذئاب على يديه من اتساع رزقها من قتلاه، ولو تأملت ما قالوه لوجدت أن هذا الصنيع الذي لجأ إليه الشاعر لم يكن لكلامه أن يقوى، ولا أن يقع موقعه من البلاغة بدونه، فهذا الأسلوب -أعني: حسن التعليل- داخل في بلاغة الكلام في صميمها، ويكفي ما علق به إمام البلاغيين عبد القاهر الجرجاني على هذا البيت تدليلًا على ما نقول، فقد قال: اعلم أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015