جهة أنه مجرد حلية ونقش وزينة للكلام، أو على حد ما جاء في عبارة بعضهم: أنه لهما بمنزلة الطلاء للدار -كما سبق أن ذكرنا- وتارة يوقعون على وجوه البديع اسم الحلية والعَرَض، وتارة يطلقون عليها اسم اللاحق والذنب الذي لا يمس صميمًا ولا يمثل غرضًا، والذي حملهم على هذا أنهم رأوا نماذج للشعراء والمتأدبين طرقوا فيها بعض فنون البديع، فجنحوا به عن جادة الصواب، وأساءوا إلى البديع بقدر ما أحسن هو إليهم، كما أن الإسراف في تعدد الفنون البديعية كان له دور بعيد المدى في النظرة إلى هذا الفن، فجاء عندهم حليةً وعرضًا وذيلًا وطرفًا، وأنزلوه في غير منزلته.

هذا هو رأي المتأخرين ومذهبهم في النظر إلى البديع وفنونه.

ونحن لا نسلم لهم هذه النظرة وذلك الرأي؛ لأن كلامهم هذا قائم على أساس نظري لا دليل عليه ولا برهان، اللهم إلا تحديدهم للحدود وتقعيدهم للقواعد، فهم بتعريفهم لبلاغة الكلام، ثم تحديدهم لعلمي المعاني والبيان تحديدًا قائمًا على تفسيرهم لمعنى بلاغة الكلام، بهذا الصنيع أخرجوا علم البديع عن بلاغة الكلام، وجعلوا له هذه المنزلة الوَضيعة.

ومنزلة علم البديع ينبغي أن تتحدد بأمرين:

أولهما: أثر ألوانه وفنونه في قوة الكلام وبلاغته.

وثانيهما: مدخله في الإعجاز القرآني.

فإذا رأينا لهذه الألوان أثرًا في بلاغة الكلام، بحيث إذا فقد الكلام ما حواه من هذه الألوان فقد بلاغته، كان هذا حكمًا على ما ذهب إليه المتأخرون بالبطلان، وثبت لألوان البدي منزلة ومكانة لا تقل منزلة علمي المعاني والبيان ومكانتهما، وبخاصة وقد ثبت أن لهذه الألوان مدخلها في إعجاز القرآن الكريم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015