-أعني: المطابقة ووضوحَ الدلالة- كلام لا غبار عليه، كما أن الكلام العاري عن واحد من هذين الأمرين أو عنهما معًا يعد كلامًا ساقطًا مهما اشتمل على ألوان البديع وفنونه، وهذا مبني على أن البديع لا صلةَ له ببلاغة الكلام، وأنه خارج عنها، كما صرح بذلك حسن جلبي أحد شراح المطوّل في قوله تعليقًا على قول السعد: هذا إنما يظهر عند التأمل والتذكر للأحكام المذكورة في علمي المعاني والبيان. يقول حسن جلبي: إنما لم يُتعرض للبديع لكونه خارجًا عن البلاغة.
وقد أفصح عن هذا أحد الكاتبين معلقًا على تعريف المتأخرين لعلم البديع، وتحديدهم لمنزلته بين العلمين الآخرين، وذلك قوله: منزلة هذا العلم من علمي المعاني والبيان منزلة الطلاء يأتي بعد تمام البناء؛ ذلك أن هذين العلمين يبحثان صُلب المعنى من حيث المطابقة ووضوح الدلالة، فتحسينها للكلام ذاتي؛ لأنه راجع إلى ذات المعنى، أما البديع فتحسينه عَرَضي؛ لأنه يأتي بعد تحقيق ثمرة العلمين الآخرين، ومعنى هذا: أنه إذا خلا الكلام من رعاية المطابقة لمقتضى الحال التي هي ثمرة علم المعاني، أو من رعاية وضوح الدلالة على المعنى المراد التي هي ثمرة علم البيان، كان كلامًا ساقطا لا يعتد به؛ لأنه فقد شرطي البلاغة أو أحدهما، ويكون اشتماله في هذه الحالة على البديع كتعليق الدر على أعناق الخنازير، أما إذا رُوعي في الكلام ثمرة العلمين فإن البديع يكون معهما بمثابة العقد النفيس يزين جيد الحسناء الفاتنة.
ومع تصريحهم بتبعية البديع لعلمي المعاني والبيان نجدهم يختلفون في جهة هذه التبعية، وجمهورهم يرى أن هذه التبعية معناها: أن هذا العلم لا يمتّ إلى بلاغة الكلام بأدنى صلة، وبعضهم يرى أن اتصاله بالعلمين المختصين بالبلاغة من