بل إن إسرافه في استخدامها ليجعل قارئه يمله مللًا شديدًا مهما أحسن ومهما أتى بالنادر الطريف مثله في ذلك مثل صالح بن عبد القدوس، في بناء شعره جميعه على الحكم والأمثال، يقول: لو أن صالحًا نثر أمثاله في شعره وجعل بينها فصولًا من كلامه، لسبق أهل زمانه وغلب على مد ميدانه، وكذلك أبو تمام لو أنه جعل البديع في شعره مفرقًا لصارت أشعاره نوادر وازداد بها الكلام حظوة وحسنًا.

هذا وقد جعل ابن المعتز فنون البديع التي بنى عليها الشطر الأكبر من كتابه خمسة، هي: الاستعارة، والتجنيس، والطباق، ورد الأعجاز على ما تقدمها، والمذهب الكلامي.

ونراه حين ينتهي من بيانها واستقصائها في الأمثلة والشواهد يقول: قد قدمنا أبواب البديع الخمسة وكمل عندنا، وكأني بالمعاند المغرم بالاعتراض على الفضائل قد قال: البديع أكثر من هذا أو قال: البديع باب أو بابان من الفنون الخمسة التي قدمناها، والبديع اسم موضوع لفنون من الشعر يذكرها الشعراء والنقاد المتأدبون منهم، فأما العلماء باللغة والشعر القديم، فلا يعرفون هذا الاسم ولا يدرون ما هو، وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحدٌ.

ونحن الآن نذكر بعض محاسن هذا الكلام والشعر -هكذا يقول- ومحاسنهما كثيرة لا ينبغي للعالم أن يدعي الإحاطة بها، حتى يتبرأ من شذوذ بعضها عن علمه وذكره، وأحببنا لذلك أن تكثر فوائد كتابنا للمتأدبين، ويعلم الناظر أنَّا اقتصرنا بالبديع على الفنون الخمسة؛ اختيارًا من غير جهل بمحاسن الكلام، ولا ضيق في المعرفة، فمن أحب أن يقتدي بنا ويقتصر بالبديع على تلك الخمسة فليفعل، ومن أضاف من هذه المحاسن أو غيرها شيئًا إلى البديع فله اختيارُه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015