وهي فقرة طريفة في الكتاب، إذ يذكر فيها طائفة من الحقائق المهمة، من ذلك أن كلمة البديع إنما كانت تدور قبله بين الشعراء ونقاد المتأدبين، أما اللغويون فلم يكونوا يعرفونها ولا كانوا يعرضون لها، وكان أول مَن اقترحها مسلم بن الوليد، ونراها مبثوثة في كتابات الجاحظ، وفعلًا لم تلقنا في كتابات اللغويين حتى عصر ابن المعتز.

وابن المعتز يضيف إلى ذلك أنه أول من جمع فنون البديع وألف فيها كتابًا، وهو فضل له لا ينكر، ويقول: إنه ربما اعترض عليه معترض فقال: إن الفنون الخمسة الأساسية التي عدها أركان البديع أكثر مما ينبغي، وإنه كان يحسن أن يقف بها عند فن واحد أو فنين فحسب، ويقول: إنه ربما اعترض آخر بأنها أكثر مما عده مدخِلًا فيها فنونًا أخرى من فنون محاسن الكلام والشعر. ويذكر أنه قصد إلى أن يقصر البديع على الفنون الخمسة لا عن جهل منه بل عن معرفة دقيقة. ولكي يؤكد معرفته بمحاسن الشعر والكلام مما لم يذكره، رأى أن يفصل الحديث في طائفة منها، مبيحًا لغيره أن يضيف إليها محاسن أخرى إن شاء، وكأنما كان ذلك منه تنبأ بما سيصير إليه البديع، فقد أضيفت المحاسن التي ذكرها إليه، وأضيفت محاسن أخرى جديدة، أخذ يستنبطها أصحاب البديع حتى بلغت في العصور المتأخرة نحوًا من مائة وخمسين فنًّا.

ونعتقد اعتقادًا أن ابن المعتز إنما اكتفى بالفنون الخمسة من محاسن الكلام، رأى أن يخصها باسم البديع؛ لأنها فعلًا الفنون التي كانت موضع أخذ ورد بين أصحاب البلاغة العربية الخالصة وبين طوائف المتفلسفة، ومن ينزعون نحو التجديد المسرف، ومما لا شك فيه أن فنون البديع الخمسة التي فصل ابن المعتز الحديث فيها، وما أحصاه وراءها من المحاسن؛ جمعها جمعًا من كتابات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015