والإسلاميين. يقول: قد قدمنا في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن واللغة وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكلام الصحابة والأعراب وغيرهم، وأشعار المتقدمين من الكلام الذي سماه المحدثون البديع، ليعلم أن بشارًا ومسلمًا وأبا نواس ومَن تقيلهم -يعني: حاكاهم- وسلك سبيلهم، لم يسبقوا إلى هذا الفن، ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمي بهذا الاسم، فأعرب عنه ودل عليه.
ثم إن حبيب بن أوس الطائي من بعدهم شغف به حتى غلب عليه، وتفرع فيه وأكثر منه، فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف.
وما يلبث ابن المعتز أن يصرح بغرضه من كتابه قائلًا: وإنما غرضنا من هذا الكتاب، تعريف الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع، وكان المحدثون في هذا أحد اثنين؛ إما متفلسف متعصب لم يتعمق الأدب العربي وأصوله، وإما شعوبي ممن يغمطون العرب القدماء حقهم، وينكرون عليهم كل فضل.
وتصدى لهم ابن المعتز ينقد دعواهم الباطلة، مبينًا بالبرهان الساطع أن البديع قديم في العربية، بل إنه ليتعمق في القِدم حتى العصر الجاهلي، وأن ما للمحدثين منه من أمثال بشار إنما هو الإكثار من استخدام فنونه فحسب، ويقول: إن أبا تمام أفرط في استخدامها وأسرف مما جعله يحسن تارة وتارة يسيء. وأفرد له رسالة مستقلة تحدث فيها عن محاسنه ومساوئه، احتفظ بها المرزباني في موشحه، وكأنه يريد أن يعارض في قوة من يسرفون في التجديد واستخدام البديع ببيان أن أبا تمام مَثلهم الأعلى، أخطأه التوفيق في كثير من الأحيان؛ لتتبعه هذه الفنون، وتكلفه الشديد حتى لَيستكره الألفاظ، وحتى ليجري فيها غير قليل من الالتواء والتعقيد.