إن أخلف الغيث لم تخلف أنامله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع

طابق في البيت الأول بين الرفع والوضع، وفي الثالث بين الضيق والاتساع والاختلاف وعدمه، في أسلوب مسرف في المبالغة إسرافًا شديدًا، لا يجاوزه سوى قول أبي نواس في مدح الرشيد أيضًا وفيه المطابقة:

لقد اتقيت الله حق تقاته ... وجاهدت نفسك فوق جهد المتقي

وأخفت أهل الشرك حتى إنه ... لتخافك النطف التي لم تخلق

وبضاعة الشعراء إن أنفقتها ... نفقت وإن أكسبتها لم تنفق

طابق بين الإنفاق والإكساء في أسلوب يعتمد على المغالاة، وقد أدَّى هيام الشعراء بهذه الألوان وإفراطهم في تناولها إلى تركهم جانب المعاني، وعدم اكتراثهم بجزالة الألفاظ واستقامتها. مما حَدَا بكثير من علماء اللغة والأدب أن ينتصروا للقديم، وأن يتعصبوا له، وأن يقفوا في وجه كل جديد موقفًا متشددًا، مقللين من شأن ما يأتي به المحدثون، منكرين عليهم إكثارهم من ألوان البديع وكلفهم بها. وقد بالغ كثير من النقاد وعلماء اللغة في التعصب للقديم والمَيل إليه، حتى إن بعضهم كان يستحسن القديم لقدمه، ويستهجن المحدث لحداثته، دون نظر لعناصر الجمال أو القُبح في هذا أو ذاك.

وإلى جانب هذه الطائفة التي تعصبت للقديم، طائفة أخرى من الشعراء والنقاد تعصبوا للمحدثين، وانتصروا للبديع وعدوا الإكثار منه في الشعر تفننًا في ضروب القول ودليلًا على شاعرية الشاعر.

وعلى أي حال، فإن هذه المعركة بين أنصار القديم وأنصار الحديث لم تذهب أدراج الرياح، بل أثمرت ثمرة طيبة كان لها قيمتها في تاريخ هذا الفن، ذلك أن أحد المولعين بالأصباغ البديعية وهو الشاعر الخليفة عبد الله بن المعتز، المتوفى سنة 296، عنّ له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015