ولما جاء الإسلام ونزل القرآن الكريم كان للدين الجديد والقرآن الكريم أثرهما الذي لا يجحد على عواطف العرب ومشاعرهم، وجميع مناحي حياتهم، فهدأ عواطفَهم الثائرة، وأرهف مشاعرهم وتشربت جوانب حياتهم روح القرآن ومعانيه، ولا عجبَ إذا ظهر أثر القرآن ومعانيه وروحه في أدبهم، فهو الآية والغاية وإليه المنتهى في بلاغة القول.
ومن آثاره في أدباء العرب: أن جاء شعرهم مهذبًا في لفظه وأساليبه، فرَقَّتِ الألفاظ وأحكمت الأساليب، فضلًا عن المعاني والأغراض التي دارت حول الدعوة وصاحبها، وحول القرآن الكريم الذي أدهشهم ومَلَكَ عقولَهم، وإن كان الطابع العام للشعر الإسلامي بقي كما كان في العصر الجاهلي، فلم يبتكر شعراء الإسلام مذهبًا جديدًا في الشعر، كما بقيت الصناعة اللفظية كما هي موضع اهتمام القوم دون تعمل أو استكراه.
ولو فتشنا عن ألوان البديع في هذا العصر لوجدنا أن القرآن الكريم اشتملت آياته على كثير من الألوان البديعية، التي جاءت في أعلى درجات الروعة والجمال.
فمن الطباق جاء قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} (آل عمران: 26) ومن المقابلة قوله: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} (التوبة: 82) ومن مراعاة النظير جاء قوله: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} (الرحمن: 5، 6) ومن الإرصاد قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (العنكبوت: 40) وغير ذلك كثير في القرآن الكريم.