وانسياق الشعراء مع الطبع ونبذهم التكلف جعلهم لا يهتمون بالصنعة البديعية، فلم يتعمدوا جناسًا ولم يقصدوا إلى تورية ولم يتكلفوا طباقًا ولم ينقبوا عن سجع، عدا طائفة من الكهان اشتهرت بحرصها على نوع من السجع أطلق عليه "سجع الكهان".
ومع ذلك قد كثر في أدبهم ألوان البديع التي جاءت عفو الخطر من غير أن يعرفوا لها أسماءها التي أطلقت عليها فيما بعد، فقد جاء الطباق في قول امرئ الق يس:
مكر مفر مقبل مدبر معًا كجلمود ... صخر حطه السيل من عل
وجاءت المشاكلة في قول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلين
كما جاء اللف والنشر في قول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي
وجاء التقسيم في قول زهير:
فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نِفار أو جلاء
وجاءت المبالغة في قول مهلهل:
فلولا الريحُ أسمع من بحجر ... صليل البيض تقرع بالذكور
وكان بين حُجر هذه وبين مكان الوقعة التي يتكلم عنها المهلهل مسيرة عشرة أيام.
وجاء أيضًا في كلامهم تأكيد المدح بما يشبه الذم في قول النابغة مثلًا:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فُلول من قراع الكتائب
وغير ذلك من الألوان التي تناثرت بكثرة، وكثرت أمثلتها في الشعر الجاهلي، ولم يقصد الشعراء إليها قصدًا وإنما جاءت عَفْوَ الخاطر دون تعمل أو تكلف.