كذلك نلحظ في الفرق بين الكناية والتعريض: أن التلازم بين المعنى التعريضي والمعنى الحقيقي للألفاظ يرجع إلى المواقف الخاصة التي يقال فيها الكلام، أما التلازم بين المعنى المكني به والمعنى المكني عنه، فمرجعه إلى العرف والعادات وطبائع الأشياء وخصوصيات الأفعال على نحو ما مر بنا.
ولنضرب للتعريض بعضًا من النماذج؛ حتى تتضح صورته أكثرَ فأكثر: من روائع التعريض بأسلوب الحقيقة ما يورده القرآن في أعقاب ما يقدمه من الأدلة، التي تدل من استقامت فطرته على ما يقضي به النظر الدقيق في تلك الأدلة، من مثال قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (آل عمران: 190) فقوله: {لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} تعريض لافت بنفي العقل عمن لا يصل به التأمل في هذه الأدلة الكونية إلى وحدانية الله تعالى، وتفرده بالألوهية، والأسلوب كما لا يخفى جارٍ على منهج الحقيقة وليس من قبيل الكناية أو المجاز بصفة عامة.
فالمعنى الصريح لهذا القول الكريم أن أصحاب العقول يجدون في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار أدلةً واضحةً على وجود الله ووحدانيته، وفيه إلى جانب ذلك إيماء إلى نفي العقول عمن لا تدله عليه، وربما كان هذا المعنى هو ما ترمي إليه الآية الشريفة فهو المعنى يتراءى لنا من خلال السياق.
ومن التعريض بأسلوب المجاز أن يقول امرؤ لمخاطبه: إنك لا تجني من الشوك العنب، والمعنى الذي يحمله هذا القول الجاري على نسق الاستعارة التمثيلية، أن ذلك المخاطب لا يحصل من عمل سيئ على نتائج مرغوبة، ولكن هذا المعنى مطروح غير منظور إليه، وإنما الغرض المستهدف منه هو رمي إنسان معين بأنه يسيء العمل، ومن المستحيل أن يحصل الخير على يديه.