وكذا قول المحتاج في خطاب الغني: والله إني لمحتاج وليس في يدي شيء، وأنا عُريان والبرد قد آذاني، فقد دل كل هذا على الطلب بطريق التعريض، فقد فهم من كلامه التعريض بطلبه، وليست دلالة كلامه على الطلب دلالة حقيقية.

ويفرق بينهما من ثلاثة وجوه:

الأول: أن الكناية واقعة على المجاز ومعدودة منه على ما هو الأرجح، بخلاف التعريض فلا يعد منه؛ لأن التعريض مفهوم من جهة السياق، فلا تعلق له باللفظ لا من جهة حقيقته ولا من جهة مجازه.

الثاني: أن الكناية تقع في اللفظ المفرد والألفاظ المركبة بخلاف التعريض؛ لأنه لا موقع له في اللفظ المفرد، السر في ذلك أن دلالة التعريض من جهة القرينة والإشارة والتلويح، وهذا لا يستقل به اللفظ المفرد، ولكنه إنما ينشأ من جهة التركيب، فلأجل هذا كان مختصًّا بالوقوع فيه، ولهذا لا يقال هذه الكلمة تعريض كما يقال هذه الكلمة حقيقة أو مجاز أو كناية.

الأمر الثالث: أن التعريض أخفى من الكناية؛ لأن دلالة الكناية مدلولة عليها من جهة اللفظ، بخلاف التعريض، فإنما دلالته من جهة القرينة والإشارة، ولا شك أن كلما كان اللفظ يدل عليه فهو واضح، ومن أجل هذا فرَّق علماء الشريعة بين صريح القذف وكنايته وتعريضه، فأوجبوا في الصريح من القذف الحد مطلقًا في قول القاذف مثلًا: يا زاني، فأوجبوا في كنايته الحد إذا نوى في مثل قول القاذف مثلًا: يا فاعل الخطيئة، ولم يوجبوا في التعريض الحد في مثل قوله مثلًا: يا ولد الحلال؛ وما ذاك إلا لأجل أن الصريح والكناية يدلان على القذف من جهة اللفظ إما بالحقيقة أو المجاز خلافًا للتعريض.

والتعريض بهذا أخص من الكناية، فكل تعريض كناية وليس كل كناية تعريضًا. فالكناية إذن أعم من التعريض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015