ومن التعريض بأسلوب الكناية قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28) فالمعنى الصريح لهذا النص القرآني قَصْر خشية الله على العلماء، ومن لوازم هذا المعنى نفي الخشية عن كل جاهلٍ مبالغةً، وسوق هذا النص في مواجهة من يقدموا على معصية الله تعريض بجهله وعدم معرفته بجلال الله وعظمة سلطانه؛ إذ إن مدار الخشية معرفة المخشي والعلم بشئونه.

ومن روائع التعريض بالمعنى الكنائي أن يسوق المتكلم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((المسلم مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده)) في مواجهة من لا يتورع عن إيذاء المسلمين بأنواع الأذى على اختلافها، والمعنى الصريح لهذا الحديث الشريف حَصْر الإسلام في غير المؤذي، وهذا يستلزم نفي الإسلام مبالغةً عن كل مؤذ وهو المعنى الكنائي، ولكن المعنى الصريح وما هو لازم له ليس في مرمى المتكلم، وإنما المرمى الذي يوجه نظره هو وصم هذا المؤذي بنقيصة نفي الإسلام عنه.

ومن الأمثلة التي يتراءى التعريض من خلالها، نرى أنه يجري في أنواع الأساليب المختلفة ما كان منها حقيقة وما كان منها مجازًا أو كنايةً، وإنما يتم ذلك بتوجيهها الوجهة التي يتوخاها الأديب، وإلا فإنها تقف عند دلالتها التي هي الأصل في استعمالها، وهذا ينتهي بنا إلى القول: بأن الكناية تكون، ولا تعريض والتعريض يكون ولا كناية.

من روائع التعريض قول الله تعالى يحكي عن قوم نوح: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} (هود: 27) فظاهر العبارة يحكي أنهم لم يروا إلى جانبه شيئًا من أمارات النبوة فهو بشر مثلهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015