وطيب الحجزات، والإشارة أو الإيماء يكون لمن قرب جدًّا ووضح، ولذا أطلقوه على الكناية التي انعدمت وسائطها أو قلت، ووضح فيها التلازم بين المعنيين؛ نحو الكناية عن المرأة بالنعجة أو خضاب البنان، أو التنشئة في الحلية، وعن الرجل بحمل السلاح، وعن الصدر بموطن الحلم، وعن الفقر بقلة الفأر في البيت، إلى غير ذلك من هذه الأقسام التي ذكرها البلاغيون.
من روائع هذه الكنايات التي خلع عليها العصر طابعه في الرمز قول أبي القاسم الشابي:
إذا ما طمحت إلى غاية ... ركبت المنى وخلعت الحذر
ولم أتجنب وعور الشعاب ... ولا كبة اللهب المستعر
ومن لا يحب صعود الجبال ... يعش أبد الدهر بين الحفر
فقد كنى عن الاجتهاد في المسعى بركوب المنى وأتبع تلك الكناية بأخرى تشد أزرها؛ وهي الاستهانة بالمخاطر ماثلة في نسيان الحذر، واجتياز الشعاب الوعرة، والسقوط في النيران المشتعلة، ثم ألهب شعور المتلقي إلى الاجتهاد في تحقيق الأماني والاستهانة بالمخاطر؛ فكنى عن نباهة الشأن بصمود الجبال، وعن الخمول بالعيش بين الحفر، وجعل عدم محبة النباهة سبيلًا إلى الضعة والخمول.
وهذا والحديث عن أثر العصر في صور البيان لا ينتهي إلى غاية، لكن نكتفي بهذا القدر.
والكلام عن الكناية في الحقيقة يأخذنا إلى الحديث عن التعريض؛ لما بينهما من الروابط القوية، ولتكن بدايتنا في الحديث عن التعريض بتعريف التعريض.
تدور بعض استعمالات هذه المادة عرض حول التخفي والتحيل للأمر المراد، ففي (الصحاح) ذكر الجوهري أن التعريض خلاف التصريح قالوا: عرضت لفلان وبفلان إذا قلت قولًا وأنت تعنيه، ومنه المعاريض في الكلام، والعروض