حسن الرعاية، فالغاية في البيتين واحدة وإن اختلفت الوسيلة؛ إذ الوسيلة في البيت الأول الرفق واللين، وفي الثاني الشدة وقوة الزجر عن ارتياد المراعي الرديئة التي تؤذي، والغاية في الاثنين الدلالة على حسن الرعاية.

وبما لطف الكناية وحسنها في البيتين أنه قد ضم إلى كل منهما ضربًا من ضروب الجمال في التعبير؛ فضم إلى الأولى المجاز المرسل في قوله: "ترى له عليها إصبعًا"، وقد أفاد هذا المجاز الأثر الحسن الذي يبدو على أجسام النوق أو الغنم، وفي هذا دلالة على المبالغة في حسن رعاية الراعي، وضم إلى الثانية التورية الحسنة في قوله: "بالضرب قد دماها"، أي: صيرها كالدمى حسنًا بسيره بها في ضروب الأرض. فالضرب له معنيان قريب وهو الضرب بالعصا وبعيد وهو السير في الأرض، وكذلك دماها لها معنيان؛ قريب وهو إسالة دمها، وبعيد وهو أن صيرها كالدمى في الحسن والجمال، والمراد المعنيان البعيدان.

هذا وقد ترددت في كتب البلاغيين أسماء عدة تطلق على مفهوم الكناية أو التعريض؛ منها الإرداف والتمثيل والتلويح والرمز والإيماء والإشارة واللحن، وقد أخذ الأخير من قوله -عز وجل-: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} (محمد: 30) فاللحن في الآية مراد به التعريض بالشيء من غير تصريح به أو الكناية عنه بغيره.

وهنا نقتصر على بعض هذه الأشياء المهمة منها على سبيل المثال التلويح، وإنما يعني به البلاغيون الإشارة إلى الغير من بعيد، ولذا أطلقوه على الكناية التي تتعدد وسائطها نحو: كثير الرماد وجبان الكلب.

والرمز في اللغة: أن تشير إلى قريب منك على سبيل الخفية، ولذا أطلقوه على الكناية التي قلت وسائطها أو انعدمت، وكان بها نوع من خفاء التلازم بين المعنيين المكنى به والمكنى عنه نحو: عريض القفا، وعريض المنكبين، وصغير الرأس،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015