طريق الكناية؛ لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده وعمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه.

ومن الكناية عن نسبة قولهم في مقام المدح: المجد بين ثوبيه والكرم بين بُرديه، أرادوا نسبة المجد والكرم إليه، فعدلوا عن التصريح بذلك إلى جعل المجد بين ثوبيه والكرم بين يديه؛ ليفهم المخاطب إثباتهما للممدوح؛ إذ ليس بين البردين أو الثوبين سواه، فالتعبير إذن كناية عن نسبة المجد والكرم إلى الممدوح، وهذا قريب بما سبق ذكره.

ومن ذلك قول زياد:

إن السماحة والمروءة والنَّدَى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج

القبة: هي ما كانت فوق الخيمة من العظم والاتساع، وهي خاصة بالرؤساء والسادة، وابن الحشرج: هذا هو عبد الله بن الحشرج أمير نيسابور، فهنا كنى عن نسبة هذه الصفات إلى ابن الحشرج بجعلها في قبة مضروبة عليه؛ لأن الشيء إذا أثبت في مكان الرجل وحيزه، فقد أثبت له؛ وذلك لاستحالة قيام الوصف بنفسه ووجوب قيامه بموصوف صالح للاتصاف به.

ومنه قول الآخر يمدح ابن العميد:

والمجد يدعو أن يدوم لجيده ... عقد مساع ابن العميد نظامه

المساعي: هي المكارم، ونظام العقد: ما به يكون منتظمًا، فهنا صور المجد غادة حسناء قد تحلى جيدها بعقد حباته مساع ابن العميد، وهو يدعو الله أن يدوم هذا العقد ويبقى في جيده، فكنى عن نسبة المجد وثبوته لابن العميد بكون مساعيه حبات قد انتظم بها عقد المجد، وكنى عن الدعاء بدوام بقاء ابن العميد بدعاء المجد أن يدوم العقد ويبقى في جِيده، ومنها قولهم: العرب لا تخفر الذمم، يريدون نفي ذلك عن العربي؛ لأنه إذا نفي عن العربي نقض العهد فقد نفي عنهم؛ إذ هو واحد منهم. وقولهم: أيفعت لداته وبلغ أترابه، كنوا عن نسبة اليفاعة والبلوغ إليه بنسبتهما إلى أقرانه ونظرائه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015