ساحة عمرو، وما من شك في أن وجود نوعين من الكناية في جملة واحدة مما يزيد الكلام حسنًا ويضفي عليه جمالًا.

ومن الكنايات عن النسبة: قول بعض الشعراء المعاصرين:

بين برديك يا صبية كنز ... من نقاء معطر معشوق

وبعينيك يا صبية شجو ... ساهم اللمح مستطار البريق

فالموصوف كما لا يخفى هو الصبية، والصفة هي النقاء المعطر المعشوق، ولكن الشاعر لم ينسب ذلك النقاء إليها، وإنما نسبه إلى المكان الواقع بين برديها، هذه النسبة تقتضي نسبة النقاء إليها. وفي البيت الثاني كناية أيضًا نسب فيها الشجو إلى عيني تلك الصبية، والمقصود نسبته إليها.

ومن رائع الكناية عن النسبة قول المتنبي يعزي سيف الدولة في فقد عمته في قصيدته البائية المشهورة:

مثلك يثني الحزن عن صوبه ... ويسترد الدمع عن وربه

إيما لإبقاء على فضله ... ................................

"إيما" لغة في أما.

................................... ... إيما لتسليم إلى ربه

فهو يقول: مثلك يقدر على صرف الحزن عن نفسه ويسترد الدمع إلى مستقره؛ إبقاءً على فضله، حتى لا يضيعه الجزع، أو تسليمًا لأمر الله فيما قضى به. وفي قوله: "مثلك"، كناية عن نسبة، فقد صرح بالموصوف وهو الضمير المخاطب، وبالصفة وهي صفة الحزن واسترداد الدمع، ولم يصرح بنسبة صرف الحزن واسترداد الدمع إليه، ولكن نسبها إلى مثله، والمراد نسبتها إليه.

وقد كشف الزمخشري عن هذه الكناية وهو بصدد الحديث عن قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11) حيث قال: قالوا: مثلك لا يبخل، فنفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك، فسلكوا به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015