تقسيم الكناية باعتبار القرب والبعد بين المعنيين

هذا، وتنقسم الكناية باعتبار القرب والبعد بين المعنيين -المكنى عنه والمكنى به- إلى قسمين: كناية قريبة وكناية بعيدة.

فالكناية القريبة: هي ما تقارب فيها المعنيان، بحيث يكون الانتقال من المعنى المكني به إلى المعنى المكني عنه بلا واسطة، كالانتقال من عض الإصبع -أو تقليب الكفين- إلى الندم، ومن طول النجاد إلى طول القامة، ومن بعد مهوى القرط إلى طول الجيد، ومن التنشئة في الحلية إلى المرأة في قوله -عز وجل-: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} وكالانتقال من كون السماحة والمروءة والندى في قبة مضروبة على ابن الحشرج إلى نسبة هذه الصفات إليه في قول زياد -الذي سبق ذكره-:

إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج

فهذه الكنايات كما هو ملاحظ قريبة، وهي قد تكون واضحة لا تحتاج في إدراكها إلى نظر وتفكر كما في الشواهد المذكورة، وقد تكون خفية حيث تحتاج في إدراكها إلى شيء من التأمل والنظر؛ لكون التلازم بين المعنيين المكنى به والمكنى عنه مبنيًّا على عرف لم يبلغ حد الشهرة العامة؛ وذلك كالانتقال من عرض القفا إلى صفة البَلَه، فإن تجاوز الحد في عرض القفا من لوازم البله، وكالانتقال من ضخامة الرأس إلى الغباء، ومن صغرها إلى الذكاء، وكالانتقال من أداء التحية بالريحان يوم السباسب إلى رِقة الأمزجة وحسن الذوق والمحافظة على التقاليد.

أما الكناية البعيدة: فهي ما تباعد فيها المعنيان، بحيث يصير الانتقال من المعنى المكني به إلى المعنى المكني عنه لا يتم إلا بواسطة أو بِعِدة وسائط، كالكنايتين المذكورتين في الشطر الأول من بيت النابغة الذي يقول فيه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015