قوله: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} فقد أُطلق السقوط في اليد وأريد منه الندم، وهذا النسق التعبيري الذي حمل تلك الكناية، لم تجرِ به ألسنة العرب قبل أن يلج القرآن مسامعهم. قال الزجاج: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} أي: ندموا، وهذه اللفظة لم تسمع قبل القرآن ولم تعرفها العرب. وكأنما لمح الزمخشري من عدم ورودها على ألسنة العرب شيئًا، فلم يرها كناية عن مجرد الندم، وإنما رآها كناية عن شدته. وقد أبان عن ذلك بقوله: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} أي: ولما اشتد ندمهم؛ لأن من شأن مَن اشتد ندمه وحزنه أن يعض يده غمًّا فتصير يده مسقوطًا فيها؛ لأن فاه قد وقع فيها.

وقيل: من عادة النادم أن يطأطئ رأسه ويضع ذقنه على يده معتمدًا عليها، ويصير على هيئة لو نزعت يده لسقط على وجهه فكأن اليد مسقوط فيها، وهو قول ينم عن ذوق بصير باللغة وإيماءاتها، خبير بما تجري به عاداتهم في مواقفهم المختلفة، فهو يلحظ مواءمة الألفاظ للأحداث كما يربط بين الأحداث وسلوكيات الناس في مواجهتها.

ومما جرى من الكناية عن صفة على ألسنة الشعراء وهي كثيرة في أشعارهم: قول ابن خفاجة في قصيدة يصف فيها الجبل:

وأرعن طماح الذؤابة باذخ ... يطاول عَنان السماء بغارب

يسد مهب الريح من كل وِجهة ... ويزحم ليلًا شهبه بالمناكب

في هذين البيتين يصف الجبل بالارتفاع والضخامة ويفهم ارتفاعه من قوله: "يطاول أعنان السماء"، وقوله: "يزحم شُهبه بالمناكب"، فمطاولة السحب ومزاحمة الشهب إنما هي آية الارتفاع الشاهق، أما الضخامة فيعبر عنها قوله: "يسد مهب الريح عن كل وِجهة"، وللسامع أن يتصور مدى ضخامة الجبل حين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015