بالموصوف الذي كني بها عنه، ولازمة لمعناه وواضحة الدلالة عليه، ولذا ساغ الكناية بها عنه.
القسم الثاني من أقسام الكناية: الكناية عن صفات؛ وهي أن يصرح بالموصوف وبالنسبة، ولا يصرح بالصفة المرادة، بل يذكر مكانها صفة تومض إليها، وتدل عليها، ومن روائع هذا النوع قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} (الفرقان: 27) فقد ذكر الموصوف صراحة وهو الظالم، وذكرت النسبة كذلك، وهي نسبة العض إليه، ولكن الصفة المقصودة لم تذكر صراحةًبل نراها في إيماءة العض على اليدين، ونتأمل صورة رجل أو امرأة أخذ يعض أو أخذت تعض على يديها، ولتحاول معي أن تدرك الحالة التي عليها أي منهما، عندئذٍ ستدرك أن الندم هو المسيطر، والعض على اليدين يومض بالطبع بالندم إيماضًا يوشك أن يكون ضوءًا قريبًا قويًّا كاشفًا عنه.
ومن التعبير عن الندم أيضًا قوله تعالى في قصة الرجلين الثري والمقل، إذ اغتر الثري بثرائه فجحد نعمة الله وافترى عليه، وفخر على المقل، فعاقبه الله عقابًا، قال عنه: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} (الكهف: 42) ولتقف عند قوله: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} فستجد أن الموصوف مذكورًا صراحة بالضمير المستكن في الفعل: {يُقَلِّبُ} ونسب إليه هذا الفعل، ولكن الصفة المرادة لم يصرح بها وإنما فُهمت من صفة مذكورة وهي تقليب الكفين، وأنت أيضًا إذا أنعمت النظر فيها وقد ذُكرت بعد قوله: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} (الكهف: 42) لوجدت أنها تشير إلى صفة الندم إشارة قوية تقرب من الإفصاح.
ومن روائع الكناية عن هذا المعنى: قوله تعالى عن قوم موسى بعد أن عبدوا العجل: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف: 149) وتطالعنا الكناية في