رغم غوصها منفردة في الماء طفت على سطحه، فحمت نوحًا -عليه السلام- ومن معه من الغرق.

ومن الكناية عن الموصوف أيضًا: قول المتنبي يسترضي سيف الدولة على بني كلاب وقد أوقع بهم هزيمة منكرة رد بها تمردهم عليه:

ومن في كفه منهم قناة ... كمن في كفه منهم خضاب

فقد كنى عن المرأة بصفة هي كون الخضاب في يدها، وعن الرجل بصفة هي كون القناة في يده، هو يريد بهذه الصفة المكنى بها عن الموصوف بلوغهم في الضعف غاية لا غاية بعدها، حيث صار الرجل منهم كالمرأة في العجز عن مواجهة الحروب، مما يجعلهم أهلًا للصفح والعفو، وقد كان المتنبي شاعرًا قديرًا في تسخير الكناية عن الموصوف لما يرمي إليه، وكذا في التعبير عما يعتمل في نفسه ويضطرب في حناياه.

ومن ذلك قوله في سياق قصيدة يمدح بها كافورًا، ويحدث عن غدر الصديق:

رحلت فكم باك بأجفان شادن ... عليَّ وكم باك بأجفان ضيغم

وما ربة القرط المليح مكانه ... بأجزع من رب الحُسام المصمم

فلو كان ما بي من حبيب مقنع ... عذرت ولكن من حبيب معمم

في الثلاثة أبيات هذه تطالعنا الكناية عن الموصوف خالبة آسرة، فقد كنى عن المرأة بكونها باكية بأجفان الغزال، وبربة القرط المليح، وبالحبيب الساتر وجهه بالقناع، وكنى عن الرجل بكونه باكيًا بأجفان الأسد، وبرب السيف القاطع، وبالحبيب المعمم، ووظَّف كل هذه الكنايات للتعبير عما يعتمل في نفسه من حزن بلَغَ في نفسه المدى، فقد فارق أحبابه الكثيرين من الرجال والنساء، أولئك الذين جزعوا لفراقه أشد الجزع، ولم يكن الرجل في ذلك أقل من المرأة في تجرع غُصة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015