ولا يفوتنا أن نشير إلى ظلال التعبير القرآني في هذه الكناية ففي هاتين الصفتين -التنشئة في الحلية وعدم الإبانة في الخصام- إيماء بليغ إلى عظم دور المرأة في الحياة، وهو كونها ذات طبيعة تجعلها نبعًا يستمر به الوجود الإنساني، بما طبعت عليه من تهيئة أسباب الإخصاب، ومن عدم الميل إلى النفخ فيما يشعل نار الحروب.

ومن الكناية عن الموصوف: قول الله تعالى في شأن نوح -عليه السلام- وقد عم الطوفان: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} (القمر: 13) فقد كنَّى عن السفينة بكونها صاحبة ألواح ومسامير، ودليل خصوصية هذه الصفة بالسفينة مما لا يخفَى؛ فالألواح والمسامير خاصة بما يحمل الناس والمتاع على صفحة الماء من فُلك وجوار وسفن، ولا تزال تلك الطبيعة التكوينية للسفينة -الألواح والمسامير- باقية إلى عصرنا هذا، أيًّا كانت المادة التي تكون منها الألواح والمسامير، وفي ذكر هذه الصفة إيماء بليغ إلى قدرة الله التي هيأت أسباب طفو الحديد وغيره على الماء بما يُحمَل من الأثقال.

وقد لفت القرآن إلى هذه القدرة في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} (الشورى: 32) حيث جعل جري السفن الضخام على صفحة الماء من دلائل القدرة، والجري في البحر صفة كني بها عن موصوف هو السفن، وفي موضع آخر ذكر القرآن تهيئة أسباب الجري على صفحة الماء هي من خلقه تعالى وصنعته وحده، حيث قال: {وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} (الرحمن: 24) ففي قوله: {وَلَهُ} مِلكية الخلق والصنعة، كما صرح بذلك قوله -عز شأنه-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (لقمان: 31).

وفي الآيتين من سورة الشورى والرحمن كنَّى بصفة الجري عن السفينة؛ إيماءً إلى أن ضخامتها لم تحل دون جريها، وفي الآية من سورة القمر إيماء إلى أن مكوناتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015